أحمد علي وقدرة الثأر لأبيه..

تحليل: ما بعد مقتل صالح.. واقع مختلف لتحالفات تاريخية

طفل يحمل صورة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح

أبو بكر باذيب (عدن)

خرجت اليمن عقب مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الرابع من ديسمبر على يد المليشيات الحوثية المدعومة من إيران من حقبة تاريخية غاية في التعقيد والتداخلات والتحالفات المتصلة والمنقطعة.

إلا أننا نستطيع أن نجزم بإيمان شديد أن اليمن دخلت مرحلة جديدة أقل ما يقال عنها إنها فارقة وخطيرة، ويمكن أن تستمر لعقود طويلة وتؤثر على اليمن والخليج والمنطقة والأمن القومي الخليجي، ما لم يتم حسمها سريعًا.

يبدو أن علي عبد الله صالح، الذي تعود على إدارة الخداع والمؤامرات في علاقاته مع كل القوى السياسية والاجتماعية التي كان الرابح من صراعه معها، خانه التقدير هذه المرة، ولم يستكمل تفاصيل المشهد والصورة الرمزية لتحالفه الجديد، وقد يكون غُدر به من مقربين، ومن الصعوبة بمكان تقدير أمور كثيرة في سرعة الأحداث وفي غمار المستجدات المتلاحقة، والذي ستفضي الأيام المقبلة بتفاصيل جديدة قد تغير من تصوراتنا لواقع الأحداث والتطورات.

ما يمكن أن نؤكده أن صالح كان قاب قوسين أو أدنى من تحالف جديد كان هدفا استراتيجيا مع قوى التحالف العربي. فمنذ أقل من 48 ساعة من مقتله كان قد أعلن صالح في مشهد تاريخي دعوته للجماهير اليمنية بأن "تهب على قلب رجل واحد للدفاع عن اليمنضد العناصر الحوثية التي تعبث منذ 3 سنوات بمقدرات اليمن ومؤسساته، وذلك للانتقام ممن حققوا وحدة اليمن وثورة سبتمبر، قائلا: "انتفضوا لوحدتكم ومن أجل دولتكم". هذا المشهد الأخير قد يجعل صالح أيقونة ثأر جديدة في مسار اليمنيين على مختلف توجهاتهم، من الموالين لصالح ومن الراغبين بالانتقام من الحوثيين.

وذلك بطبيعة الحال سيغير من توجه أي تفكير بالعودة للمسار السياسي فالمعطيات تغيرت، وبات واقع التحالفات الجديدة غير واضح وغير مستقر، خصوصا في ظل غياب مشهد الشخصية التي يمكن لها أن ترث حضور ونفوذ وكاريزما صالح في حزبه وداخل أوساط القبائل اليمنية التي أثبتت الأيام أنها قادرة على ترجيح كفة طرف على آخر، وهي من رجحت كفة صالح طيلة العقود الأربع الماضية. وهنا تظل علامات الاستفهام مفتوحة لا إجابات فيها: هل لدى نجل صالح (أحمد علي عبد الله صالح) القدرة على العودة وإدارة المشهد والثأر لأبيه؟ هل حضور نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وهو شريك صالح لسنوات طويلة، قادر على حشد الاتفاقات القبلية والسياسية والاجتماعية؟

كما بات من المؤكد أن الشرعية اليمنية قد حسمت قرارها بفتح جبهات جديدة مع الحوثيين بالتنسيق مع قوات التحالف العربي، فليس أمام اليمنيين والتحالف سوى استمرار الحرب حتى تحرير صنعاء، حيث إن استغلال غضب الشارع، وإدارة التحالفات الجديدة من الأهمية بمكان، والأيام حُبلى بمستجدات جديدة، يبدو أن توقعها أو استنتاجها بات من الصعوبة، فتقدير المواقف وقراءة الأحداث بات يخضع لمعادلات شديدة التعقيد.

هذا يحتم على الدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الجوار اليمني، حسم قرارها تجاه إنهاء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وإدارة مشهد العمليات العسكرية برؤى مختلفة أكثر فعالية، من خلال الاستفادة من الأخطاء السابقة، وتلافي القصور الذي حال دون تحقيق تقدم عسكري حقيقي في كل الجبهات، خاصة في ظل ارتباك مليشيات الحوثي، وتخبطها وتوقعها لرد فعل عنيف. وفي تقديري لابد أن يكون ذلك بقدر المفاجأة وبقدر صدمة اليمنيين من الطريقة التي قُتل بها علي عبد الله صالح.

الشارع اليمني أصبح يعيش حالة من الصدمة، فالأوضاع الاقتصادية باتت صعبة للغاية، والمعاناة الإنسانية تفاقمت إلى حد اعتبارها الأسوأ في العالم بحسب تقارير دولية ومنظمات دولية، فمرتبات موظفي الدولة منقطعة منذ أكثر من عامين، والدمار الحاصل في البنية التحتية أعاد اليمن واليمنيين إلى عصور ما قبل الثورة التكنولوجية، كما أن حالة الإرهاب والقمع والاعتقال باتت مصير كل من تسول له نفسه معاداة الحوثية ومليشياتها.

كل ذلك أصبح إرهاصات لقناعة كاملة لدى اليمنيين بأن الحل السياسي لم يعد ممكنا، وأن تحرير العاصمة صنعاء وسحب أسلحة المليشيا وعودة الدولة ومؤسساتها الشرعية إلى صنعاء هو الهدف الرئيسي، وهو المصلحة الاستراتيجية لليمن ، وللحفاظ على الأمن القومي العربي والخليجي، وللمملكة العربية السعودية تحديدا. وبدون ذلك لن ترى اليمن أي ملامح لسلام أو استقرار.

الجزء الأهم في هذه المعادلة هو الموقف الخاص بالمملكة العربية السعودية والتحالف العربي، والتي في تقديري أنها أمام خيار وحيد وهو أن بقاء الحوثيين يحاصرون خاصرتهم الجنوبية هو لغم سينفجر قريبا. وقد خسرت السعودية بموت صالح أقوى عناصر تحالفها، إلا أن دوافع الثأر السياسي والاجتماعي وتقاطع المصالح مع القوى اليمنية والإقليمية في تقديري كافي لإدارة جبهة قوية، قادرة على تحقيق انتصارات ملموسة تتجاوز فكرة إجبار الحوثيين على العودة للمسار السياسي، ليس بدافع الإقصاء لفصيل سياسي أو اجتماعي، بل من منطلق حقيقة أن جماعة الحوثي رفضت وسترفض كل المبادرات السياسة وأفكار السلام، استنادا إلى انطلاقها من توجيهات عقائدية تنفذ فيها وصايا الولي الفقيه.

وفي تقديري أيضاً أن الخلافات السياسية التي قد تؤثر على علاقات بعض الأطراف مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لابد من تجاوزها على الأقل في اللحظة الراهنة. وقد استبق الرئيس اليمني هذه الفكرة، خلال كلمته التعقيبية على مقتل صالح، بدعوة جميع المكونات اليمنية في كل المحافظات التي لازالت ترزح تحت وطأة المليشيا الإجرامية الإرهابية –بحسب هادي- إلى الانتفاض في وجهها ومقاومتها ونبذها. بل إن تقديم الرئيس هادي العزاء في مقتل سلفه صالح لهو مؤشر ومبادرة لابد من التقطاها بايجابية من أنصار صالح، والتعاطي معها وفق المصلحة الوطنية لليمن والتي تتقاطع مع المصالح الأخرى للمتحالفين مع الشرعية.

مجمل القول، إن مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين سيكون مقدمة لبناء واقع سياسي وأمني، داخلي وإقليمي، جديد سينتج بالضرورة تغيرات هيكلية في نمط التحالفات التاريخية داخل اليمن.