لم تحتمل تبعات مقتل صالح..

تحليل: هل انتهى الحوثيون من تقسيم تركة ‘‘الرئيس صالح‘‘؟

اجتماع قيادات حزب المؤتمر الموالي للحوثيين في صنعاء

خاص (عدن)

جهدٌ حثيث تبذله المليشيات الحوثية لدفن ماضي الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي اعدمه الحوثيون مطلع ديسمبر من العام المنصرم، وطي صفحته إلى الأبد، وذلك للتفرد بالمشهد السياسي، والعسكري- أو حتى القبلي- في أكثر من 10محافظات ما تزال تسيطر عليها شمال ووسط اليمن، وهي مراهنة من الجماعة المدعومة ايرانياً-بالمال والسلاح-لتنصيب نفسها طرفاً وحيداً في أي مفاوضات سياسية قادمة، يبدو أنها لن تكنْ!

أدركت جماعة الحوثي أن تبعات مقتل صالح، وبتلك الطريقة البشعة، وضعتها في موقف صعب على مختلف المستويات خاصة في صنعاء، واستندت مباشرة-أي جماعة الحوثي- الى رفع مستوى الضغط الأمني فور مقتل صالح، والتهويل لقوتها في مواجهة الخصوم.. وراحت تعتقل المئات من أنصار حزبه لتهدئة الشارع الغاضب في صنعاء، ومناطق القبائل التي كانت تمثل الحصن الكبير الذي يحمي الرئيس السابق.

وضع الرئيس السابق حزب المؤتمر الشعبي العام، أداةً سياسية صلبة لمواجهة الخصوم السياسيين واعتبره مراراً طريقاً يحقق عبره الكثير من الطموحات والأهداف تحت يافطة القانون، لكنه بالمقابل ربط الحزب بذاته مباشرةً وهذا كان خطأً فادحاً، والكل كان يعلم سابقاً أن انهيار الحزب مرتبط بصالح  الذي ما إن مات حتى أضحى حزبه ضائعاً تحاصره جماعة انقلابية بين عشيةٍ وضحاها.

تركة كبيرة خلفها الرئيس ‘‘الراحل‘‘، وبان تباعاً أنها تشتت بفعل مقصود تقوم به المليشيات الانقلابية، ولتذويب الهيجان الصاخب من قبل ‘‘أنصار صالح‘‘ ضد المليشيات، اقتنعت الأخيرة أنه لا بد من إيجاد بدائل أنسب للمواجهة تكون أفضل من تشديد قبضتها الأمنية على الخصوم المعارضين تقدم نفسها بهيئة ‘‘الرجل المنقذ‘‘ الحامي لتطلعات الجماهير، وكان تحييد حزب المؤتمر عن صالح، ضمن الخيارات المدرجة في قائمة الجماعة لتشكيل مستقبلها الجديد.

لقد كان صالح كبيراً بين مؤيديه لارتباطه بحزب المؤتمر الشعبي العام من جانب-وهو الجانب الأكبر في الأساس الذي استفاد منه صالح طوال ماضيه-، وجوانب أخرى ليست مهمة في الذكر خلال هذا الطرح، وذهاب الحوثيين لاختطاف التركة السياسية لصالح فتح الباب أمام اسئلة كثيرة، ومعقدة.

لم يعد لصالح أي وجود في صنعاء البتة يمكن أن يراهن عليه في مواجهة الجماعة، الا من عواطف بسيطة لدى جماهيره ستنتهي عبر الأيام بلا شك، فالقوى القبلية التقليدية انتهت من مهمتها في تحصين حليف الحوثيين المغدور به عندما علمت بمقتله، ووجهت الكثير من القبائل بوصلتها نحو المليشيات الحوثية، بعد أن وجدت أن الجماعة استحكمت بالمشهد وتعاملت مع صالح بالنار مباشرة دون أن تمنحه خيارات أخرى، ولذا يصبح من الصعب توحيد القبيلة في مواجهة الحوثيين دون وجود اطار واضح للمواجهة، ما يجعل الدور القبلي المضاد للمليشيات خلال هذه الفترة خاملاً لا يعطي أي نتائج ايجابية.

كان صالح في صنعاء يتمتع بحضور جماهيري كبير ظهر أكثر من مرة خلال الفعاليات الجماهيرية التي كان يدعو لها صالح إبان فترة قوته -حتى مع وجود حلفائه الحوثيين-، واستطاع ‘‘المقتول صالح‘‘ بناء قوة عسكرية ضخمة ذهبت كالماء على صفيح ساخن وقت الشمس، ولم تحميه في لحظة حرجة كان صالح أحوج بها اليها، وربما–الى قبل اليوم- لم  يكن يبقى شيئاً يُذكر بصالح الا حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي أصبح اليوم بمثابة آخر ورقة ينزعها الحوثيون من كتابه المؤلف منذ أكثر من ثلاثة عقود.

يُعلن اليوم رسمياً  من صنعاء، عن تعيين القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، صادق أمين أبو رأس، رئيساً للحزب، خلفاً لـ‘‘ الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح‘‘ كما يصفه البيان الصادر عن اللجنة العامة للحزب، وبهذا يكون الحوثيون قد وصلوا الى مبتغاهم الذي أرادوا، وأحكموا القبضة على بقايا الحزب المتشظي، وأطفوا الشمعة المشتعلة في عزاء صالح.

تقول مصادر في حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء، لـ(اليوم الثامن) "إن الحوثيين يمارسون الزامات بالقوة على قيادات الحزب في صنعاء، ولهم جهوداً مكثفة منذ أسابيع للوصول الى هذا اليوم الذي ينسف ما تبقى لصالح من ماضٍ كان حزب المؤتمر ما زال يخلده، وفي المقابل تشير المعطيات الى أن ثمة رغبةً من قبل قيادات في الحزب لعقد شراكة ‘‘مهينة‘‘ مع المليشيات.

يقول صالح في إحدى خطاباته التي كان يهجو بها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أنه لم يكن يعلم ‘‘ما في قلوبهم (أنا اخترتهم) اشكال وما كنت اعرف نوياهم‘‘ وكان صالح يومها يقصد من تخلو عنه والتحقوا بالشرعية، الا أن الواقع اليوم أثبت أن إمبراطوريه صالح يسلمها ‘‘أقاربه‘‘ في الحزب للحوثيين على طبق من ذهب، وربما يحدث هذا وصالح ما يزال في ثلاجة الموتى.

يكون الحوثيون بعد هذه الخطوة قد قفزوا الى مستوى تحقيق الهدف الساسي من وراء مقتل صالح، وهدم كل ما يتعلق بصالح، يمنح الحوثيين قوة اضافية لفرض سلطتهم، لكن الأمر يحتاج الى سياسة سلسلة، في الغالب لا يدركوها الحوثيين، ولم نسمع عنهم يوماً انهم يتعاملون بأسلوب سياسي ذكي. وما ذهاب الحوثيين الى تعيين قيادة جديدة للحزب، الا بداية لنقل المؤتمر الى حاضنة المليشيات، يكون فيها طرفاً سياسياً داعماً لها إذا آلت الأمور في يوم من الأيام الى حل سياسي.