الحرب تدخل عامها الثالث..

تحليل: كيف أنتصر "رجال صنعاء" في عاصمة الجنوبيين؟

بن دغر يسار المخلوع صالح خلال تهديد الاخير باجتياح الجنوب مارس 2015م

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

لا يزال أكثر من 5 آلاف عسكري جنوبي بدون مرتبات منذ مارس آذار العام 2015م، تاريخ اجتياح ميليشيات العدوان اليمنية مدينة عدن، في اعقاب فرض الحكومة الشرعية قيودا على العسكريين الموالين لها والذين قاتلوا في صف الحكومة الشرعية.

 امام منزل المهندس أحمد الميسري يرابط العشرات من العسكريين الجنوبيين في محاولة لمقابلة اللجنة لبدء رحلة شاقة عن الراتب الضئيل.

صالح علي واحد من العسكريين الذين حرموا من الحصول على مرتباتهم منذ بدء العدوان على الجنوب في أواخر مارس (آذار) 2015م، ومنذ ذلك اليوم لم يحصل على راتبه الشهري، بفعل تدمر كل شيء في عدن.

يقول صالح انه اتى من الريف الى عدن لمقابلة اللجنة، وانه لم يتمكن في اكثر من مناسبة، لكنه في الأونة الأخيرة بات متيقنا ان الحصول على الراتب مستحيل.

ومثل صالح العشرات ممن قاتلوا التمرد الحوثي في صعدة خلال ستة حروب لكنهم لم يحصلوا على رواتبهم، الامر الذي دفع علي سالم إلى توجيه اتهامات للحكومة الشرعية بمعاقبتهم وحرمانهم من حقوقهم.

 يكشف سالم ان الكثير من العسكريين الشماليين من قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع وصلوا الى دار سعد واستلموا رواتبهم من الحكومة الشرعية، ثم عادوا للقتال في صفوف التمرد الحوثي العفاشي، مرة أخرى.

يعتقد عسكريون ان سبب مماطلتهم في عدم استلام مرتباتهم يعود إلى ان الحكومة الشرعية لا تريد بناء جيش وطني في الجنوب، وتريد بقاء العسكريين خارج وحداتهم العسكرية حتى يتم بناء وحدات عسكرية تدين بالولاء لصنعاء واحزابها السياسية المعادية للجنوب.

منذ اشهر يتظاهر الآلاف من العسكريين الجنوبيين في محاول للضغط على الحكومة الشرعية تسليمهم مرتباتهم، لكن  دون فائدة، حيث قطع عسكريون غاضبون طريق الجسر البحري الامر الذي دفع حكومة بن دغر الى تكليف وزير النقل مراد الحالمي للتدخل وإعطاء وعود للعسكريين باستلام مرتباتهم.

وبينما كان العسكريون ينتظرون انفراج ازمة الرواتب فاجأهم رئيس الحكومة احمد عبيد بن دغر بارسال مرتبات العسكريين الموالين للانقلاب الى صنعاء وصعدة وعمران، دون قيد او شرط وعبر وكالات الصرافة، في حين ترفض الشرعية وحكومة بن دغر صرف رواتب العسكريين الجنوبيين.

يتهم الكثير بن دغر بانه لا يزال رجل صالح في عدن وان المخلوع استطاع اختراق الشرعية بواسطة الرجل الذي ظل ملازما له طوال حكمه، وحتى اثناء اعلان صالح اجتياح الجنوب مرة أخرى.

 ابتسم بن غر وصفق مسؤولون من مدن يمنية عدة خلال لقاء عقده صالح بأبناء تعز في صنعاء لإعلان الحرب على الجنوب منتصف مارس اذار 2015م.

وحين توعد المخلوع صالح بتشريد الجنوبيين من بلادهم، هلل بن دغر فرحا وتبعه عارف الزوكة.

تقدمت جحافل الشمال اليمني صوب الجنوب للمرة الثانية، حين انتقل بن دغر إلى غرفة العمليات المشتركة في صنعاء لإدارة الحرب ضد (بلاده)، لكن عاصفة الحزم فاجأت الجميع، وحين شعر صالح بان قواته تنكسر في ضواحي عدن، سارع بأرسال بن دغر إلى العاصمة السعودية، وما هي الا بضعة شهور حتى اصبح رجل صالح رئيسا لحكومة هادي،  لينجح أخيرا في انقاذ الانقلابيين من انهيار مالي وشيك بعد ان ارتفعت أصوات عساكر الانقلاب في صنعاء يشكون من عدم حصولهم على رواتبهم ليسارع بن دغر في انقاذ الانقلاب، وبدء مرحلة جديدة من الحرب التي يمول تجارها التحالف العربي.

تحدث ذات مرة بن دغر عن صالح، وقال ان تخليه عنه جاء بعد ان تحالف مع الحوثيين الاماميين.

وكرر بن دغر الاستعانة بتعز اليمنية، كما فعل صالح عندما اعلن الحرب على الجنوب في مارس اذار 2015م، قائلا  في سبتمبر أيلول 2016م " إن تعز هي مفتاح الحسم العسكري"، لكن تعز لا تزال كما هي، حيث تؤكد مصادر عسكرية هناك تعز لن تتحرر بفعل وجود الكثير من الموالين لصالح من أبناء المحافظة الكبرى في اليمن".

حين بدأ بن دغر مرحلة انقاذ الانقلابيين مهد إعلاميا لتحويل رواتب عسكر المخلوع صالح، بتصريح ادلى به وكيل وزارة الشباب والرياضة بالحكومة الشرعية حمزة الكمالي، الذي أرسلت حكومته مرتبات الموظفين الحكوميين الى صنعاء.

وقال حمزة الكمالي إن الحكومة أرسلت مرتبات موظفي العاصمة صنعاء، الذين وصلت كشوفاتهم سلفا، عبر شركة الكريمي للصرافة. مضيفاً بأن عملية الصرف بدأت مساء الأربعاء.

ويأتي إرسال الحكومة الشرعية مرتبات الموظفين الى صنعاء والمحافظات التي تقع تحت سلطة الحوثي في حين لا يزال الموظفون بالمحافظات الجنوبية المحررة لم يستلموا مرتباتهم منذ أشهر عدة.

وقعت حكومة رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر يوم الثلاثاء اتفاقية مع شركة الكريمي للصرافة التزمت بموجبه بتسليم الشركة مرتبات عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين بمحافظات الشمال التي تسيطر عليها جماعة الحوثي وقوات صالح.

ونص الاتفاق على ان تقوم وزارة المالية التابعة لبن دغر بتسليم مصرف الكريمي مبلغ يجاوز المليار ونصف المليار لصرفه كمرتبات لموظفي الحكومة في محافظات صنعاء، عمران ، صعدة،  ذمار، الحديدة، حجة، المحويت، البيضاء، ريمة ، الحديدة.

وتسري الاتفاقية لمدة اربعة أشهر الأمر الذي يعني ان الحكومة بصدد صرف مرتب اربعة أشهر لموظفي هذه المحافظات .

ويأتي تحرك حكومة بن دغر في حين لايزال عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين بمحافظات جنوبية عدة بينها عدن لم يستلموا أي مرتبات حتى اليوم .

وقال متقاعدون وموظفون حكوميون انهم لم يتسلموا مرتباتهم رغم اعلان الحكومة بدء الصرف قبل اكثر من شهر.

حاولنا الاتصال بوزير الزراعة احمد الميسر ي  لمعرفة مصير رواتب العسكريين الجنوبيين الا انه لم يجب على اتصالاتنا، الامر الذي يفسر انه ليس بيده شيء حتى يصرح للإعلام، وان بن دغر بات هو المتحكم في كل شيء بعيدا عن الرئيس هادي.

يقول عسكريون انه تم فرض عليهم قيود من بينها البصمة، ولجان تتعامل معهم بمزاج، وتحظر وقت ما تريد وتغيب متى ما تريد، وتم نعت بعضهم بانهم من قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجل صالح قبل هيكلة الجيش من قبل الرئيس هادي.

وطالب العسكريون الجنوبيون الحكومة الشرعية التي يرأسها احمد عبيد بن دغر بمساواتهم بعسكر الانقلابيين في صنعاء وارسال رواتبهم عبر مراكز الصرافة.. مؤكدين ان عملية الحصول على الراتب بالطريقة الحالية قد دفع الكثير من العسكريين الى العودة الى منازلهم دون رواتب بدعوى ان الراتب الذي قد يحصل عليه بشق الانفس سوف يخسر ضعفه في مصاريف الإقامة في عدن.

ارسال الحكومة رواتب موظفي الانقلاب وانقاذهم من الانهيار الوشيك، اكبر خدمة تقدمها حكومة بن دغر لصالح في صنعاء.

ومن المتوقع ان تفجر هذه الاتفاقية موجة غضب عارمة في عدن، ضد الحكومة الشرعية، خاصة وان هذه التوجيهات أتت عقب يومين من تظاهرة حاشدة للعسكريين في عدن رددوا فيها هتافات مناوئة للحكومة الشرعية.

وباتت الحكومة الشرعية بين خيارين، إما أن تساوي بين العسكر الموالين لها من الجنوبيين مع عسكر الانقلاب في صنعاء، او المضي في إجراءات المماطلة على الجنوبيين وتصنيفهم لاحقا كمتمردين ان هم مضوا في التصعيد للمطالبة بصرف رواتبهم.

ويرى مسؤولون حكوميون في عدن ان إجراءات الحكومة في عدن تؤكد انها لا تريد بناء جيش حقيقي في العاصمة المؤقتة لها، خشية ان يبني الجنوبيون جيشا يناهض الوجود الشمالي في بلادهم.

مأرب باتت العاصمة الرئيسية لليمن، ومنها يدير الجنرال علي محسن الأحمر شؤون البلاد، وفيها يضع الخطط لاستعادة سيطرته على الجنوب.

أكثر من 120  ألف عسكري تقدم لهم رواتب شهرية من عائدات نفط مأرب ومنفذ الوديعة الجنوبي، على العكس تماما يحصل في الجنوب حيث لم يتمكن المقاتلون الذين هزموا ميلشيات صالح والحوثي من الحصول على مرتباتهم، ونجحت اطراف الشرعية في افشال قرارات الرئيس هادي بدمج المقاومة الجنوبية في الجيش.

افراغ الجنوب من بناء جيش حقيقي يدافع عنه، مهمة رجال صنعاء، في العاصمة عدن، والوقائع على الأرض تؤكد انهم انتصروا ولكن لن يشعر الجنوبيون بالهزيمة الا حين تصبح عدن تحكمها قوات شمالية، حينها قد تصنف تحركاتهم او حتى مطالبهم الحقوقية، على انهم متمردون على النظام والقانون، خاصة وان الحرب تدخل عامها الثالث، واستمرار التحالف العربي في دعم الحرب ضد إيران.