عقب تعرضها لعدوانيين متتاليين

عدن.. هل لاتزال مدينة التعايش والسلام؟

اطفال بعدن في احدى الاحتفالات السنوية 1982

خاص (عدن)

صباح الـ13من يناير كانون الثاني الجاري، أرسلت الشمس اشعتها على مدينة عدن في صباح شتوي، فالشوارع بدت خالية الا من حركة خفيفة لبعض المارة والمركبات.

وعلى جنبات شوارع المدينة تربض الكلاب الضالة وأخرى تسبح في مياه الصرف الصحي الطافحة، فيما تحرك الرياح المخلفات في الهواء في مشهد مقزز بات يثير سكان العاصمة العريق للجنوب، أقدم عاصمة باتت اليوم بلدة ريفية سكانها مهددون بالرحيل عنها.

 

عدن تاريخيا

 

ليست عدن التي تركها البريطانيون كنسخة من لندن كما هي، فقد باتت اليوم اشبه ببلدة ريفية في أقصى الشمال اليمني، فقدت العديد من معالمها التاريخية ورحل أهلها الأصليون في رحلة بلا عودة، جراء الغزوات اليمنية المتكررة للمدينة العريقة خلال ربع قرن ناهيك عن الصراعات التي حدثت بين اقطاب الحزب الاشتراكي على الحكم في منتصف ثمانيات القرن الماضي، عقب محاولة الاشتراكية الشمالية اقصاء الاشتراكية الجنوبية.

لم تعد عدن زمان الا صور قديمة بـ(الأبيض والأسود) في منزل خان أحد أقدم الأسر العريقة في عدن، يستعرض الالبوم الوحيد الذي يمتلكه ومنزل متواضع أكل عليه الدهر وشرب.

 في احياء كريتر كانت تسكن المئات من الاسر العدنية العرقية التي قدمت من الهند وسكنت عدن،

يسكن خان في أحد احياء كريتر الحي العتيق في كريتر، منذ ربع قرن أصبح لا يطاق الحياة التي يعيشها، فهو أصبح مهدد بالرحيل ولكن إلى أين؟ فعدن التي سكنت قلبه لا يقدر على فراقها.

 أصر خان على العيش في عدن رغم ان العديد من الأقليات رحلت عن عدن وتركت المدينة الساحرة في هجرة بلا عودة.

في حرب اليمن الشمالي على الجنوب صيف 1994م، رفض خان مغادرة منزله المتواضع في حي كريتر، واحتل اليمنيون الشماليون مدن الجنوب في حرب استمرت قرابة 100 يوم، ذاق فيها الجنوبيون الأمرين على يد الألة العسكرية اليمنية، لكن ربما أن الحرب الأخيرة في عدن قضت على التعايش السلمي في عدن، لكن خان يصر على البقاء ويتشبث حب عدن وعشقه لهذه المدينة الجميلة.

 

تعد عدن من أقدم العواصم العربية وفيها صدرت أول صحيفة في الوطن العربي أطلق عليها فتاة شمسان، لكن تلك الفتاة قتلت كما قتل شمسان وصيرة وعدن الأم، على يد قوى قبلية متطرفة قادمة، وكانت مرتعا للعلم والثقافة.

تهجير الأقليات من عدن

مارس نظام صالح المنتصر في الحرب سياسية الهجير للأقليات في عدن، واستبدلهم بسكان من اليمن الشمالي، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية لعدن، ضمن مساعي بسط نفوذه على العاصمة العريقة محط أطماع الجميع.

 

فالمدينة التي كانت مخططة وفق تخطيط حضري باتت المساكن الشعبية تتداخل فيما بينها واصبح شوارع المدينة تضيق رويدا رويدا.

 مكن المخلوع صالح قوات جيش وجحافل الإخوان المسلمين من بسط سيطرتهم على عدن، فاصغر مسؤول حكومي موال لصالح استولى على مساحة واسعة من الأرض تبلغ 20 كيلو متر مربع غرب المدينة.

عبدالولي الشميري الذي كان يرافق القوات الغازية لعدن، اهداه صالح قطعت أرض واسعة خارج عدن، عقب قوله انه لم يستكف بقطع الأراضي التي استولى عليها في عدن.

الغزو العسكري الشمالي لعدن، حولها إلى مدينة اشباح، فمعالم المدينة تدمرت وأبناء عدن الأصليون رحلوا بلا عودة، في حين ان هناك أطرافا تدعي ان عدن ملكا لها فيما الحقيقة تقول إنهم دخلاء على الفاتنة عدن.

عدن التي كان فيها الملعب الرياضي والمسرح والسينما باتت اليوم أطلالا، فكل تلك أماكن الترفية والسياحة باتت اليوم ملك قوى نفوذ شمالية وجنوبية.

مدينة احتضنت العالم .

 

 

عُرفت مدينة عدن انها حاضنه للعديد من الاديان و الطوائف و الاجناس مما جعلها مدينة اثرية بطابع فريد من نوعه و قد عاشت تقلبات عديده منذ الاستعمار البريطاني و ثم الاستقلال وتحولها لعاصمة سياسية واخيرا لها عقدين في حقبة الاحتلال الشمالي حيث  اصبح الاهمال احد اهم المشاكل التي تواجه  اثار مدينة عدن وحدثت العديد من التقلبات في المجتمع العدني , وكان  لـ الحرب التي شنها المتردون الحوثيون وقوات المخلوع صالح نصيب اكبر من التدمير الذي طال الانسان و الاثار في مدينة السلام.

 تقول الباحثة اسمهان العلس " إن عدن مدينة عالمية احتضنت على ترابها كل الطوائف والمذاهب والأديان نجدهم  في تعايش وتآخي سلميين لا نظير لهما، عرّفت عدن نفسها للعالم مدينة تحتضن العالم أو العالم يعيش فيها ، ولعل الطبيعية الجغرافية والموقع الاستراتيجي لعدن قد هيأ لها أن تكون حضنا لكل الأجناس ، فهي تقع في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية حيث تمتد على خط عرض 12,45 شمالا وخط54, 4 شرقا".

 

طبيعتها الجغرافية  

 

ولفتت العلس إلى ان (عدن) عبارة عن شبه جزيرة صخرية ترتبط بالبر من ناحية الشمال بلسان رملي تمتد عليه مدينة خورمكسر، وتحيط بهذه المدينة العديد من الجزر لعدن قيمة جيوبوليتيكية، فهي مدينة بحرية ارتبط كل تاريخها بالبحر الأحمر ، وبحكم موقعها على مدخل هذا البحر فإن هذه المدينة تسيطر على مدخله الجنوبي وتتحكم فيها , وبسبب هذه القيمة أطلق على عدن أسماء مختلفة ؛ منها "جبل طارق الشرق"، وللسبب ذاته أطلق عليها الكثيرون لقب " عين اليمن "، لأنها تعد منفد استراتيجي لبلاد اليمن على بحر العرب والمحيط الهندي".

 وبسبب هذه الخصوصية الطبيعية لعدن تؤكد الباحثة العدنية " ان العاصمة غدت قبلة العالم ومركز التجارة العالمية شرقا وغربا ومتلقى تجار العالم العابرين بها إلى موانئ أخرى".

بريطانيا وكيف استثمرت عدن؟

 

ان الإدارة البريطانية استثمرت هذه الخصوصية لعدن وفتحت أبواب المدينة للوافدين من دول الكومنولت للعمل والاستقرار فيها وساعدت حركة النشاط التجاري العالمي في عدن على الحضور الملحوظ على أرض هذه المدينة , فأصبحت شوارع المدينة متحفا لا تخطئه العين تتمثل فيه ثقافات عالمية متنوعة وتعايشت المساجد إلى جانب الكنائس والمعابد مع بعضها في تلاقح ثقافي بديع وما زالت حتى اليوم شواهد تلك المرحلة رابضة على أرض الواقع رغم العبث بها ، وذلك على النحو التالي :-

 المعالم الآثارية والتاريخية " وتشمل الأبواب والأسوار والقلاع والحصون المختلفة ، منظومة المياه المتمثلة بالصهاريج والقنوات والسوائل المنظمة لها وهضبة عدن "

المساجد والمعابد والكنائس .ملامح العمارة المختلفة .معالم متصلة بالبنوك والمدارس ، منظومة صناعة الملح وما اتصل بها من ملاحات وقنوات ومباني ، كهوف البوميس ، والأسواق القديمة ومواقع رسمية وأندية وجمعيات ودور نشر ومطابع ، وبريد عدن ومدارس ومعاهد ، مكتبة البلدية وبوابة الميناء ومكتب مديرية صيره وأمانة ميناء عدن وشرطة الشيخ عثمان ومستشفي عفارة ومستشفى البلدية بالشيخ عثمان ، والمستشفى البحري في التواهي ومقرات الإدارة البريطانية والمستشفيات ومواقع أخرى

وعلى الجانب الآخر ساعدت القوانين النافذة في فترة الإدارة البريطانية والنظام الوطني على احترام الحق العام لكل الطوائف والمذاهب في التعايش السلمي على أرض عدن وتأكيدا لذلك نظمت الحقوق العامة على هذا الأساس وفي تعايش فريد مع الآخر تجاورت منازل كل السكان المسلمين  والمسيحيين واليهود والطوائف والملل الأخرى في شوارع احتضت الجميع ، وبل وسميت بعض شوارعها بشارع الهنود ، اليهود ، الصومال وتجاورت منازلهم مع بيوت المسلمين .

وبموجب الجنسية البريطانية النافذة وقتها في عدن تمتع العديد منهم بحق المواطن العدينة ، بل واندمجوا في المجتمع العدني باعتبارهم مواطينين لهم حقوق وواجبات ، وتزاوجوا مع غيرهم.

وشكلوا على مدى عقود طويلة قوام التجانس البشري المميز لعدن.

وهذه هي سمات المجتمعات العالمية التي تفتح ذراعيها للآخر, وفي مرحلة ما بعد استقلال عدن  عزز النظام الديموقراطي فيها احترام هذا التعايش البديع وفتح أمام الجميع فرص العمل وخدمة المجتمع .

ما الذي حدث بعد الوحدة؟

تضيف الباحثة العدنية اسمهان العلس  "  عقب  اعلان الوحد بين جهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية  كيف تمثلت سياسة دولة الوحدة؟؟، منذ عام 1990 وبقيام نظام الوحدة ظهرت على أرض الواقع لوكيات جديدة منافية لثقافة مدينة عدن وأخلاقياتها في التعايش السلمي وتقبل الآخر ، وتمثلت هذه السلوكيات بالآتي:-

- مفردات وعبارات جديدة لم نعهدها منها – من أي منطقة أنت؟ ’  أطروحات غريبة بأن عدن مدينة الهنود والصوماليين ولا عرق محدد لها . وهذا يتنافى مع طبيعتها الجغرافية وكونه ميناء عالمي إضافة إلى التشديد على وجود مسمى لكل شخص يرمز الى منطقته أو قبيلته – تعزي ، صنعاني، مذحجي، شميري، ومالم يؤت بذلك فهو غير يمني والتعامل الحاقد مع تاريخية عدن ومكونات موروثها الثقافي المعزز لعالميتها ، وسيأتي لاحقا ذكرها , الحرص على الانتقاص من خصوصية عدن وتاريخيها ، وذلك عبر تغيير الكثير من المسلمات التاريخية لهذه المدينة في كتب التعليم العام – عدن قرية جميلة- إلى جانب سيطرة الخوف من التباهي بتاريخية عدن خوفا من رد الفعل الرسمي وغير الرسمي .

و استكملت حديثها قائلةً" تأثرت مكونات مدينة عدن المؤكد على عالميتها للكثير من العبث والتشوية والالغاء مستهدفة تغيير تاريخ وزعزعة ثقافة السلام فيها والتعايش السلمي واحترام الآخر التي عرفت بها عدن .

 كما تمثلت سياسة دولة الوحدة على النحو التالي :

تعطيل العمل بالنظام والقانون تعدد جهات الإشراف مابين – وزارة الثقافة والمتاحف ، الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ، السلطة المحلية في المحافظة والمديريات .عدم وجود خطة استراتيجية للدولة لصونها واستثمارها .عدم تفعيل القوانين والنظم المتصلة بحماية الآثار " القوانين الصادرة من الدولة أو الموقّع عليها مع المجتمع الدولي .عدم وجود رقابة محلية على المعالم وتفعيل اللوائح الخاصة بحماية المعالم وتراخيص الهدم والبناء وصرف الأراضي وتغيير نمط البناءغلبة التخوف على الجهات الرسمية المحلية من المبادرة بتطبيق النظام والقانون فيما يخص معالم عدن.سياسة الصرف الرسمية لبعض المواقع أو محيطها للأشخاص.التدخل من قبل جهات رسمية غير متخصصة " الهيئة العامة لتطوير مدن الموانئ " وذلك لترميم بعض المعالم دون استشارة المختصين أو الاعتماد على خبرات أجنبية متخصصة " مثال قلعة صيره والمجلس التشريعي "هدم المساجد القديمة وإعادة بنائها بنمط معاصر لا يمت بصلة لتاريخ المساجد أو تاريخ عدن " مثال مسجد آبان ، مسجد عبداللطيف والتشوه المحيط بمسجد الخوجة ومسجد الهاشمي.

 كما شملت هذه الحالة هدم المعابد مثل معبد الفرس واقتسام الأراضي الخاصة  بمقبرتهم ، والتوسع الخاص في حرم كنيسة البادري، وهدم أجزاء من مدرستها.

عدم وجود حرم مساحي مناسب للمعالم لحمايتها من البسط والعبث.جهل المؤسسات الرسمية بقيمة وأهمية المعالم الواقعة تحت مسئولية ، والتي تعّرف في الأخير معالم تاريخية لها قيمتها مثال : المساجد ، المدارس ، بوابة ميناء عدن البنوك الهيئة العامة للبريد.عدم وجود جهة مشرفة على الكنائس والمعابد والمنازل الخاصة بالجاليات.وجود بعض المنازل تحت الملكية الشخصية لأهاليها تغيير نظام البناء دون مراعاة لخصوصية المدينة المناخية وطابعها المعماري ودورها التاريخي صرف تراخيص تغيير وظائف بعض المواقع التاريخية .إهمال المعالم التاريخية وعدم تشغيلها ثقافيا بسط الأهالي على بعض المعالم : مثال بسط في مقبرة الفرس دون تدخل رسمي من السلطات .العبث بمعلم معماري وتغيير ملامحه الأصلية " الضرائب سابقا " بحجة إعادة بنائه مركزا وطنيا للمعلومات ، وعدم إكمال بنائه حتى اليوم .صرف بدور العبادة الخاصة بالجاليات الأجنبية لشخصيات نافذة في نظام الوحدةعدم المحافظة على منازل الجاليات الأجنبية وفرص النظام لحمايتها .

تعرض الموروث الثقافي لعدن بشكل عام للضربات العسكرية العشوائية ، على الرغم من أنها لم تكن مواقع عسكرية . وتمثلت الضربات على النحو التالي:-

ضرب مدينة عدن التاريخية القديمة التي تعتبر مخزنا تاريخيا لمواقع الماجد والمعابد والكنائس والبيوت الخاصة بالجالياتهدم مقبرة الانجليز في مدينة المعلااحراق كنيسة القديس يوسف الكاثوليكية ثاني كنائس عدن المؤسسة في مدينة عدن القديمة في عام 1854 هدم المتحف العسكري لعدن والذي كان أول مدرسة حكومية للبنين في عدن في عام 1913هدم مدرسة بازرعة الأهلية التي تجاوز عمرها 100 عام هدم مكتب السياحة في عدن ، والذي يمثل نظاما معماريا فريدا يعود الى النظام الفيكتوري في عدن، وقد كانت تشغله السفارة الهندية هدم كامل لحي القطيع في عدن الذي يعتبر من أقدم أحياء عدن القديمةهدم بوابة ميناء عدن العالمي المؤسسة في 1866 التي تعرف بأسم رصيف السواح التي عبرت منه الملكة اليزابيت في زيارتها لعدن في عام 1954سرقة مقتنيات فندق كريسنت في التواهي الذي كان مقر إقامة ملكة بريطانيا في اثناء زيارتها لعدن وسرقة مقتنيات غرفة الملكة ذاتهاضرب سوق عدن القديمة المؤسس منذ فترة الإدارة البريطانية.

 

*صحيفة اليوم الثامن