اتساع دائرة الفقر..

نصف أطفال غزة يسبحون في عرق العمل صيفا

أطفال يبيعون لعب الفرح للأطفال

غزة

يحلم جميع أطفال العالم مع كل عطلة مدرسية بالبحر والسباحة واللعب على الشاطئ، فتلك مكافأتهم على سنة من الدراسة والنجاح، حتى في غزة يذهب الأطفال إلى الشاطئ أيضا منذ ساعات الصباح الأولى ولا يعودون منه إلا بعد الغروب، لكنهم لا يعرفون من البحر إلا حرارة الشمس إذ لا وقت لديهم للسباحة في ماء البحر والاستمـتاع باللعب على الشاطئ كبقية أقرانهم، إنهم منشغلون بالعمل وكسب الرزق من أجل إعالة الأسر التي ينحدرون منها.

أطفال أجبرتهم الظروف على النزول إلى الشوارع والشاطئ لكسب الرزق كي یسَدوا جوعهم ویوفروا المتطلبات الأساسیة لهم ولعائلاتهم بدلا من التنزه والاستجمام، فتراهم رغم طفولتهم الوردية یبیعون السكاكر والبسكویت والترمس وأشياء أخرى من أجل الحصول على بعض الشواكل التي يعودون بها إلى عائلاتهم.

يقول الطفل السامر (13 سنة) “لا أنتظر عطلة الصيف كبقية أقراني الذين يستعدون للاصطياف وقضاء الأوقات الممتعة مع العائلة واللعب في الماء، فوالدي عاطل عن العمل بسبب المرض الذي أقعده منذ سنوات، ويدفعني إلى العمل حتى أوفر لعائلتي المتطلبات الأساسية ونعيش بكرامة فلا نمد يدنا لأحد فأغلب الأقارب فقراء مثلنا”.

بحزن الكبار يتحدث عن أحلامه ورغباته قائلا “نعم بودي أن أفرح قليلا وأذهب إلى البحر مع أصدقائي وأستلقي تحت مظلة شمسية، أريد أن أجري معهم على الشاطئ ونتسابق في بناء قصر رملي ثم نحطمه ونلعب الكرة، صحيح أنني أصحو مثلهم كل صباح وأنزل إلى البحر لكنني أحمل معي بضاعة لأبيعها للأطفال الذين هم في عمري، فمرة أبيعهم السكاكر وأخرى أبيعهم الطائرات الورقية وأنا أتصبب عرقا.. حرام ألا أستمتع بطفولتي كبقية أطفال العالم”.

أما الفتيات من العائلات الفقيرة فهن لا يعملن في الشارع ولكنهن لا يستمتعن بإجازاتهن الصيفية أيضا، ونادرا ما يذهبن إلى البحر بمعية أفراد العائلة لأن ظروفهم الاقتصادية تحول دون أن  يوفروا بعض المال لقضاء يوم على شاطئ البحر.

ويعتبر سامر محظوظا إذ ما زال يدرس ويجهد نفسه مصرا على تغيير وضعيته الاجتماعية من خلال مواصلة دراسته والعمل في الآن نفسه إلى أن يتخرج ويحصل على وظيفة تقيه مرارة الفقر عكس محمد فايز (15 سنة) الذي لا يذهب إلى المدرسة في كل صباح ولا يذهب إلى البحر في عطلة الصيف لكنه يذهب إلى العمل، يقول “كل يوم أذهب وأبحث عن المعادن والحصباء تحت أنقاض المنازل المدمرة أو في المصبات أحمل الفولاذ والحجارة، وأضعها على ظهر حمار وأذهب إلى السوق من أجل بيعها للشركات التي ستستخدمها في تصنيع الحصباء ومواد البناء. إنه عمل صعب جدا”.

توفي والد أحمد فايز وتعيش الأسرة المكونة من تسعة أفراد في مأوى من الصفيح في منطقة فقيرة قرب مدينة غزة. في الصيف يصبح المأوى المعدني حارًا بشكل لا يُطاق، وفي الشتاء لا يحمي الأسرة من البرد والفيضانات.

يقول أحمد “أعمل مع إخوتي حتى نستطيع توفير الحد الأدنى من ضروريات الأسرة، لم أعرف أبدا ما سأجنيه خلال يوم عملي، فذلك يعتمد على كمية الصلب والحصى التي أعثر عليها وعدد الساعات التي يمكنني العمل فيها قبل أن ينالني والحمار التعب”.

يقول إبراهيم -أحد أشقاء أحمد الذي ينضم إليه كل يوم للعمل بعد أن يُنهي اليوم الدراسي- “حلمي أن انتقل مع أسرتي إلى بيت نظيف وكبير وأن تكون لي ملابس نظيفة”.

في الصيف ينتقل أحمد وإبراهيم للعمل على الشاطئ حيث يبيعان الترمس والبسكویت وأحيانا بعض الفواكه للمصطافين، فالبحر بالنسبة إلى أحمد وإخوته لكسب الرزق، أما بقية الأطفال فليسبحوا ويلعبوا.

وتتسع ظاهرة عمالة الأطفال في قطاع غزة سنة بعد أخرى منذ عشر سنوات بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والحصار الإسرائيلي المشدد. وبحسب إحصائية أصدرتها جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي في غزة، فإن ظاهرة عمالة الأطفال لمن هم دون سن الخامسة عشرة ازدادت معدلاتها في غزة خلال الآونة الأخيرة، لتصل إلى أكثر من 54 في المئة.

يقول سامح -وهو طفل في عمر الزهور (يبلغ من العمر عشر سنوات) ويبيع الثلج على الشاطئ- “يبدأ عملي منذ ساعات الصباح الأولى، حيث أبيع الثلج حتى منتصف النهار وبعدها أبدأ ببیع السجائر للمصطافین حتى الغروب، أنا أمضي كل يومي على شاطئ البحر لكنني لا أعرف متعته”.

ويضيف سامح “في المساء أنتقل إلى بیع البزر والترمس للمتواجدین في المطاعم، كل ذلك من أجل تغطية نفقات العائلة وتوفير الأدوية لشقيقي وشقيقتي اللذين يعانيان من نقص الزنك”.

يقول الطفل الصغير إنه أحيانا يسترق بعض الوقت للسباحة في البحر فيرتمي في الماء بكل ثيابه الرثة بعد أن يؤمّن ماله عند أحد معارفه أو زملائه الذين يعملون معه فقد علمتهم الحياة الثقة ببعضهم البعض ومساعدة بعضهم البعض لأنهم سواسية في العناء.

وعن معاملة الزبائن له، يقول سامح “في البداية كنت أشعر بالخجل من بيع البسكويت والترمس خاصة أن بعض الناس لا يحسنون معاملتي ولا يقدرون الظروف التي أجبرتني على العمل، كما أنني أحيانا أشعر بالغيرة حين أرى الأطفال يلعبون ويضحكون مع آبائهم في حين أنني عامل فقير”.

وهناك بعض الأطفال الذين يعملون مقابل أجر فينزلون إلى السوق ليعملوا كأجراء في بسطات الخضر أو في بيع السمك، وعادة ما يشغلّهم أقرباؤهم لمساعدتهم على توفير بعض المال الذي يقتنون به حاجيات العائلة أو يوفرون به مستلزمات الدراسة.

ويرى الأخصائيون أنه بجانب الأطفال الذين اختاروا العمل بمحض إرادتهم، هناك أيضا عدد  كبير من الأطفال الذين يجبرون على العمل تحت ضغط الأسرة، وهذا يشكل خطرا نفسيا على الأطفال الذين يحتاجون إلى اللعب والاستمتاع بإجازاتهم الصيفية.