مركز البيت الخليجي للدراسات:

الإعدام في إيران والسعودية.. التوافق القاتل

عقوبة الاعدام شنقا في إيران

منية فاضل (القاهرة)

فيما تحرم أغلب التشريعات الدولية عقوبة الإعدام، يبقى عالمنا العربي والإسلامي رائدين في هذا المجال. وتمثل هذه العقوبة التي تعرفها منظمة العفو الدولية بأنها “عقوبة شخص بتنفيذ حكم القتل عبر إجراء قضائي تحت غطاء العقاب والردع العام أو المنع”، قضية جدلية في عديد الدول ووحدها بعض الدول الأوروبية التي حظرت عقوبة الإعدام، حتى أثناء الحرب بتنصيص ذلك في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي (المادة الثانية)، وفي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (البروتوكول رقم 13).

عربياً، الدولة الوحيدة التي ألغت هذه العقوبة هي دولة جيبوتي، في حين تمارس كل من تونس والجزائر والمغرب ولبنان تجسيدا رسميا لتطبيقها فبالرغم من إصدار القضاء لأحكام بالإعدام إلا أن التنفيذ لم يطبق في هذه الدول الأربعة منذ أكثر من عقدين.

وبالنسبة للعالم الإسلامي، تتصدر كل من إيران وباكستان الترتيب الدولي في حجم تنفيذ عقوبة الإعدام. فحسب تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2015، ظفرت كل من إيران وباكستان والسعودية بنسبة 90%  من مجموع 1,634 شخصا نفذت فيهم هذه العقوبة في العالم.

منطقة الشرق الأوسط رائدة في مجال عقوبة الإعدام

تسجل منطقة الشرق الأوسط أعلى النسب على خلفية ما نفذته كل من إيران والسعودية من إعدامات، فمنذ تولي الرئيس حسن روحاني سدة الحكم سنة 2013 تضاعفت نسب الإعدام في إيران إذ أعدم 624 شخصا العام 2013 مقابل 314 شخصا العام 2012. وتشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى أن طهران أعدمت في فترة ما بين 2006 و2016 اكثر من 12300 شخصا.

وأما بالنسبة للسعودية، فقد أعدمت بين يناير/كانون الثاني وأوائل ديسمبر/كانون الأول 2016 حوالي 149 شخصا بما في ذلك إعدام جماعي لـ 47 رجلا في 2 يناير/كانون الثاني 2016 (منهم 43 منهم شاركوا في هجمات “القاعدة”، و4 شيعة لمشاركتهم في جرائم مرتبطة بالمظاهرات عامي 2011 و2012، منهم رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر). وكان هذا الإعدام الجماعي الأكبر في السعودية منذ 1980. وبالمقارنة مع سنة 20144 سجلت نسبة تنفيذ أحكام الإعدام العام 2015 ارتفاعا بحوالي 76%  حيث أعدم 158 شخصا مقارنة ب90 شخصا سنة 2014 وهي أعلى نسبة منذ عشرين عاماً حيث بلغت حالات الإعدام بين سنتي 1985 و2015 حوالي 2210.

السنوات

إيران

السعودية

2013

624

79

2014

743

90

2015

753

158

إيران والسعودية: أية جريمة تستحق عقوبة الإعدام

بالنظر إلى طبيعة نظام الحكم الثيوقراطي القائم في كل من طهران والرياض، بجعل الشريعة الإسلامية المرجع الأساسي في صياغة القوانين وإصدار الأحكام دونما اعتبار للمواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية  تتجه كل من إيران والسعودية عبر قانون العقوبات الإسلامي إلى إصدار أحكام بالإعدام بقطع الرأس بالسيف أو شنقاً أو رجماً بالحجارة أو رمياً بالرصاص في كل القضايا التي تهدف إلى بث الفساد والفتنة في المجتمع، وهذا ما يفسر تصدر الجرائم المتعلقة بالمخدرات الترتيب الأول في أنواع الجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام في كلا البلدين. وفي هذا السياق، صرح الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد خلال مراسم إتلاف المخدرات في يونيو 2007أن كل ظاهرة تسيء لكرامة الإنسان تعتبر معادية للبشرية” لذا فالجزاء يكون بالاعدام في القضايا المتعلقة بالمخدرات.

و الملاحظ في أنواع الجرائم التي تسلط عليها عقوبة الإعدام في كلا البلدين نجد القتل، الزنا، الإرهاب، ازدراء الدين الإسلامي، السطو المسلح، نقض البيعة مع ولي الأمر، التحريض عبر الحركات الاحتجاجية أو انتقاد مسؤولين سامين في الدولة، التجسس لصالح الأعداء، ممارسة الشعوذة والسحر.

ولئن اتفقت كل من طهران والرياض في مجموع هذه الجرائم التي تجازى بالإعدام باعتبار اعتمادهما على الشريعة كمرجعية دينية، الّا أن الأمر يختلف بخصوص الجرائم السياسية التي تبقى مستندة إلى معطى هام وهو المرجعية المذهبية، فغالباً ما تشير بعض التقارير إلى أن إيران تعدم مواطنين من السنة تحت راية محاولة الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية والدعاية ضد النظام، والسعودية تعدم مواطنين من الشيعة تحت غطاء نقض البيعة مع ولي الأمر والتحريض ضد الدولة. ورغم أن التمشي والمنهج واحد لكن الضحية في كلتا الحالتين مواطن يمارس حق التعبير وحق التظاهر يُتهَم بالتخابر ضد الدولة لتصبح الجريمة تهديد الأمن القومي.

ينتهج كلا النظامين الإيراني والسعودي سياسة تنفيذ الإعدام قصد إشاعة الخوف والترهيب في صفوف الشعب لقمع مطالبهم بإنهاء التمييز من ناحية، ولتأجيج التوتر السياسي والديبلوماسي بينهما ولنا في إعدامات إيران في ديسمبر 2015 واعدامات السعودية العام 2016 ابرز دليل على إن اختيار الطرفين لهذا التوقيت له دلالة كبرى، خاصة وأن الفترة سبقتها أزمات وتوترات دبلوماسية بسبب الصراعات الدائرة بينهما في كل من اليمن وسوريا والبحرين، واقتصادية بسبب سعي كليهما إلى الهيمنة على سوق النفط العالمي.

إيران والسعودية: أحكام الإعدام وحقوق الإنسان

تتنافى أحكام الإعدام في إيران والسعودية مع أبسط مقومات حقوق الإنسان من الحق في محاكمة عادلة إذ تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن الكثير من أحكام الإعدام التي تصدر في كلا البلدين تكون بعد “محاكمات جائرة افتقرت للتحقيق المناسب، أو اعترف فيها المتهمون بالتهم الموجهة ضدهم تحت التعذيب والإكراه أو بتضليلهم للإدلاء باعترافات كاذبة قبل مثولهم أمام المحكمة”. وأكدت منظمة العفو الدولية أنّ هذه المحاكمات معيبة إلى حد بعيد، فكثيرا ما يحرم المتهمون من حق إنابة محام للدفاع عنهم. كما تفتقر المحاكم إلى الإجراءات المطلوبة فيما يخص الاستئناف وتخفيف الأحكام.

كما تتجاوز إيران والرياض القانون الدولي الذي يحظر إعدام الأشخاص عن جرائم ارتكبوها وهم أطفال وهو ما اصطلح على تسميته “بإعدام الأحداث (القاصرين)” و حسب تقارير منظمة هيومن رايتس واتش ((Human Rights Watchh) فإن إيران والسعودية تتصدّران الترتيب العالمي في إعدام الأحداث رغم مصادقتهما على اتفاقية حقوق الطفل.  

وفي العام 2016، أكدت هذه المنظمة أنّ إيران “أعدمت  خلال السنوات العشر الأخيرة 73 حالة في صفوف الجانحين الأحداث، وأن 160 مذنبا حدثا، على الأقل، ينتظرون حاليا تنفيذ أحكام الإعدام فيهم”.

واليوم، تواجه إيران احتجاجات وحملات دولية لمنع تنفيذ حكم الإعدام في حق الشاب حامد أحمدي الذي قُبض عليه العام 2008 حينما كان يبلغ من العمر 17 عاماً.

أما بالنسبة للسعودية، فقد نفذت بين العامين 2014 و2016 حكم الإعدام في 7 قاصرين. واليوم تعيش الرياض على وقع حملة دولية واسعة أطلقت في من أجل إلغاء عقوبة الإعدام ضد الشاب الشيعي علي النمر واثنين من أصدقائه الذين اعتقلوا بين فبراير ومايو 20122. ورغم المناسبات الدولية، إلا أن القضاء السعودي أكد في مارس 2016 الحكم الصادر في حقهم. تبقى إيران و السعودية رائدتان في مجال انتهاك الحقوق الأساسية المدنية والسياسية للمواطن بتنفيذ أحكام جزائية تنتهك أبسط حقوقه وهو “الحق في الحياة”؛ ورغم مساعي المنظمات الدولية إلى إلغاء عقوبة الإعدام إلا أن الأنظمة التي تعتمد “قانون عقوبات باسم الدين” تضرب عرض الحائط كل الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية ويبقى انضمامها أو التزامها بهذه المبادئ والأعراف والمعاهدات صورياً أمام المجتمع الدولي.