التبادل التجاري بين الرياض وأبوظبي..
تحليل: ضغوط وخيارات.. السعودية أمام تقارب بايدن وخامنئي
من المرجح أن يتخذ الرئيس الأميركي المقبل جو بايدن مواقف عدائية تجاه السعودية. فما هي خيارات الرياض؟
هناك نوعان مختلفان من الضغوط المحتملة. الأول، يمكن تحمله وامتصاص أضراره. والثاني، يدفع إلى القطيعة.
في حدود الضغط الأول، فإن انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان وقضية اغتيال جمال خاشقجي والحرب في اليمن، لن تشكل عائقا أمام بقاء التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، بل تطويره أيضا. سوف يكون مطلوبا من المملكة أن تقدم بعض التنازلات، وأن تُظهر حسن النوايا، وأن تدفع باتجاه دعم الشراكة في مختلف أوجه التعاون، ومنها في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، والشراكة الاقتصادية.
ما لا يمكن تناسيه هو أن التبادل التجاري بين السعودية والإمارات، وهما قوة اقتصادية وسياسية واحدة، وبين الولايات المتحدة، يزيد عن 65 مليار دولار سنويا، منها واردات تبلغ نحو 38 مليار دولار سنويا، بينما تصدر الدولتان ما قيمة 27 مليارا إلى الولايات المتحدة.
وحتى العام 2018، فقد بلغ حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة 506 مليارات دولار، معظمها في سندات الخزانة والأوراق المالية الأخرى، عدا عن مليارات الدولارات من الاستثمارات في الشركات الأميركية المختلفة.
هذه القوة تكفي بمفردها لكي تكون درعا يحمي العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وهو درع رادع أيضا. إذ يكفي للسعودية أن تسحب تلك الأموال لتستثمرها في أماكن أخرى في العالم، فتدرك الولايات المتحدة حجم الضرر الناجم عن انعدام الثقة بالاقتصاد الأميركي.
معاداة السعودية، إنما سوف تعني معاداة باقي دول الخليج، التي تستثمر مجتمعة في الولايات المتحدة ما لا تستثمره الصين نفسها، برغم أنها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
إذا كانت المصالح هي لغة التفاهم، فها هنا تكمن المصالح.
يمكن للرئيس بايدن أن يوجه انتقادات، إلا أن الحماقة لن تذهب به إلى تبني سياسات عدائية. الثمن سيكون باهظا، ليس على الاقتصاد الأميركي المثقل بالأزمات فحسب، وإنما على مكانة الولايات المتحدة كقوة دولية عظمى أيضا.
أوراق السعودية الأخرى قوية أيضا. ومنها علاقاتها المتوازنة مع باقي القوى العظمى. ونفوذها السياسي الإقليمي ومكانتها في مجموعة العشرين.
السعودية، في الواقع، هي التي تستطيع أن تتخذ مواقف حازمة تجاه أي سلوك استراتيجي خاطئ من جانب إدارة الرئيس بايدن. وإذا قرر أن ينتهج ما انتهجه الرئيس باراك أوباما، فكأنه لا يرى العواقب الكارثية التي انتهت إليها المنطقة بسبب جرائم إيران وتدخلاتها وأعمال ميليشياتها الإرهابية. والسعودية لن تساعده لكي يُبصر. ومن الخير لها أن تُبقيه على عماه، وأن تجعله يتحمل، بمفرده النتائج.
في حدود الضغط الثاني، فإن القيامة يجب أن تقوم على ذلك السلوك الذي قد يتراخى حيال التهديدات الإيرانية.
وفي حال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران من دون توفير الضمانات بوقف السياسات العدوانية الإيرانية تجاه دول المنطقة، ومن دون وقف سياسات تصدير المرتزقة والميليشيات الطائفية، ومن دون وقف المشروع الطائفي نفسه، دع عنك تطوير الصواريخ ورفع مستويات تخصيب اليورانيوم، فإن السعودية هي التي يجب أن تنقلب على الولايات المتحدة:
- أولا، بسحب استثماراتها وإعادة توجيهها إلى مناطق أخرى في العالم.
- وثانيا، بالدعوة لإخراج قوات الولايات المتحدة التي لا نفع فيها من مياه الخليج العربي.
- وثالثا، بتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية مع القوى الدولية الأخرى.
- ورابعا، بتحصين وتطوير قدراتها العسكرية الخاصة.
- وخامسا، ببناء مجتمع قوي قادر على الجمع بين الإصلاح والقيم التقليدية.
- وسادسا بمواصلة الحرب على الإرهاب والتطرف، بمعزل عن الشراكة مع طرف لا يفهم طبيعة الموضوع من الأساس، ولا يفهم حقيقة أن تنظيمات الإرهاب تلد بعضها بعضا وأن نظام الولي الفقيه هو المنبع الرئيسي لها. وهو الوجه الإرهابي الأول للإسلام السياسي الذي استولد وجهه الإرهابي الآخر.
بصراحة، يجب أن يفهم الرئيس بايدن، بمنتهى الوضوح، أنه بينما يمكن للحلفاء أن يختلفوا من دون أن يثقبوا القارب، وبينما يمكن لهم إجراء تسويات سياسية تناسب مصالحهم المشتركة، إلا أنه ما إن يرفع الضغوط عن إيران، وما إن يعد ليمد نظامها الإرهابي بالحياة، فمن الأفضل للسعودية ولباقي دول الخليج، أن يذهب ليجلس في حضن الولي الفقيه، من دون مخادعات ولا أنصاف حلول.
السعودية ليست عاجزة عن الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات الإيرانية. وهي ليست بحاجة إلى دعم أميركي مُكلف ومنافق.
خسارة الدعم السعودي للولايات المتحدة، هي الخسارة الأهم.
سواء فهم بادين حقيقة الموقف الشعبي في كل دول المنطقة حيال نظام الهمجية الإيراني، ومنه موقف الشعوب الإيرانية نفسها، أم لم يفهم، فهذه مشكلته هو، ولست مشكلتنا نحن.
شعوب ودول المنطقة بأسرها، تعرف أن هذا النظام ارتكب، وسيظل يرتكب الجرائم والأعمال الهمجية مع كل دولار يدخل إلى جيبه. ويجب أن يصل إلى نهايته الطبيعية.
وعندما تجد الحماقة في الولايات المتحدة نفسها واقفة على الضفة السياسية والاستراتيجية والأخلاقية الخطأ، فإنها لن تلوم إلا نفسها.
موقف سعودي حازم يضع كل شيء على الطاولة ويهدد بقلبها، هو الجواب الوحيد الذي يمكن تقديمه لإدارة الرئيس بايدن، إذا اختار التراخي مع ذلك النظام.
فليذهب ليجلس في حضنه، وليجْن من ذلك ما يريد أن يجنيه. ولكن من دون أن يحول ذلك إلى عبء استراتيجي يقع على أكتاف شعوب ودول المنطقة.
سنقول له: زواجكم مبروك. وسنرسل الهدية.
خروج القوات الأميركية من الخليج، فضلا عن غيرها من دول المنطقة سيكون مطلبا مشروعا، وواجبا، ومنعطفا ضروريا للرد على منعطف أرعن يهدد بزعزعة المنطقة.
وفي الواقع، فإن من المفيد تماما، أن يتحول هذا الأمر إلى مطلب شعبي، على الأقل لكي نصنع زوبعة أعلى غبارا من زوبعة الزواج المحتمل بين الهمجية والحماقة.
--------------------
المصدر| العرب