رسائل رئيس الحكومة للجنوبيين..

تحليل: ما الذي يبحث عنه بن دغر في الجنوب؟

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر في قاعدة العند وخلفه علم الجنوب (تـ فواز حنشي)

القسم السياسي بـ "صحيفة اليوم الثامن" (عدن)

هل كان يدرك رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر ان منتسبي قاعدة العند العسكرية سوف يستقبلونه بشعارات ورايات تطالب باستقلال الجنوب عن الشمال، أم انه بات على ادراك أن الجيش في عدن أصبح جنوبيا ويهتف للجنوب، الذي يطالب غالبية سكانه بالاستقلال عن الشمال؟.

ترجل بن دغر من على متن مركبة (مدرعة)، مرتديا بدلة رسمية وربطة عنق وواقيا ضد الرصاص، سار عدة أمتار وسط مجموعة من ضباط قوات التحالف العربي، أول ما شاهده علم (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي باتت عودتها مطلبا للجنوبيين، جراء ما يقولون إنه فشل الاتحاد مع اليمن الشمالي في منتصف تسعينات القرن الماضي اثر الحرب العدوانية التي شنها نظام صنعاء في العام 1994 وتكررت في العام 2015. ويرفض الجنوبيون كل الحلول الأخرى المطروحة وابرزها مشروع الاقاليم الستة.

دقق في وجوه الجنود، ثم بدأ بالحديث عن مشروع الدولة الاتحادية، بأقاليمها الستة، لكن سرعان ما صاح جنود القوة العسكرية التي امامه "معبرين عن رفضهم" لهذا المشروع، فيما سارع أحد الجنود الى رفع علم الجنوب خلف بن دغر، وامام عدسات المصورين.

لأول مرة يتحرك بن دغر الذي ترأس الحكومة اليمنية خلفا لمواطنه خالد محفوظ بحاح، في عدن بهذا الشكل، فقد حاول تقديم نفسه للشارع بان الحكومة قادرة على حل الأزمات المتفاقمة في عدن، رغم خلافه الواضح مع المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا انه يجاهد لبناء قاعدة شعبية في الجنوب، معتمدا على معالجة أزمات الكهرباء والمياه ورواتب الموظفين، ناهيك عما يقدمه من دعم مالي للعديد من وسائل الإعلام والإعلاميين في عدن، وذلك لتحسين صورته لدى الجنوبيين الذين عرفوه قريبا من علي عبدالله صالح الذي اجتاح الجنوب مرتين كان آخرها في مارس (اذار) من العام 2015م.

العديد من المصادر تشير إلى أن بن دغر بات قريبا من الإدارة الإماراتية، وهو ما لم يرق لجزء من الشرعية اليمنية وخاصة جماعة الإخوان، التي بدأت تهاجم بن دغر إعلاميا، فيما بات البعض يعتقد ان بن دغر ابرز وجوه المرحلة المقبلة اثر التسوية السياسية التي يجري بحثها.

صورة نشرها خالد بحاح في أكتوبر من العام 2015م، اثناء زيارته لباب المندب الذي حررته القوات الجنوبية وهي الصورة دفعت الإخوان الى شن حملة اعلامية ضده انتهت باقالته من منصبيه وتعيين بدلا عنه الجنرال الأحمر في منصب نائب الرئيس وبن دغر في منصب رئيس الحكومة.

 تؤكد مصادر قريبة من الحكومة اليمنية "أن الازمة في المشتقات النفطية التي ضربت عدن مؤخرا، جاءت ردا على التقارب بين بن دغر والإدارة الإماراتية، ما يعني ان بن دغر اصبح في مرمى نيران جزء رئيس في الحكومة الشرعية والمتمثل في جماعة الإخوان المدعومة من قطر المتمردة على الاجماع الخليجي، وهو ما يعني انه بات مرشحا للإقالة.

تعترف مصادر في الحكومة اليمنية "أن إدارة الرئيس هادي يتحكم فيها الإخوان (الممولون من قطر)، وقد تبين ذلك من خلال بيان التضامن الحكومي مع الدوحة اثر ازمتها مع دول الخليج قبل ان تقدم تلك الدول على مقاطعة قطر وانهاء مشاركتها في التحالف العربي.

وتقول المصادر إن مدير مكتب الرئيس هادي عبدالله العليمي هو من يقف وراء بيان التضامن الحكومي مع قطر قبل ان تقوم وكالة الانباء اليمنية (سبأ) بحذفه، الأمر الذي تسبب بإحراج للرئيس هادي المتواجد في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي عززته تقارير صحف خليجية أكدت ان قطر قامت برشوة اعلاميين في الحكومة الشرعية، دون ان تشير الى مكتب هادي.

وظهر الى العلن موقف مدير قناة اليمن الفضائية جميل عز الدين الذي قالت التقارير الإخبارية انه بات المتحكم في اعلام الشرعية، لمصلحة قطر. وتتجنب قنوات اخبارية يمنية (تابعة للشرعية) وأبرزها قناة (اليمن) الحديث عن قطر، على الرغم انها تبث من السعودية وبتمويل سعودي، لكن الرياض غضت الطرف عن ذلك كما يبدو.

وكشفت صحف خليجية عن فقدان شرعية الرئيس هادي (المعترف به دوليا)، السيطرة على الاعلام الحكومي الموالي لها، اثر المال القطري الذي تقدمه الدوحة، المتمردة على الاجماع الخليجي، لحزب الإصلاح الإسلامي، قبل ان تعلن دول خليجية وعربية مقاطعتها لها.

وقالت صحيفة (الخليج) في خبر نشرته الثلاثاء الماضي "إن المال القطري جعل عدد الإعلاميين الموالين للشرعية محدوداً جداً، اثر انحراف الكثير من الاعلاميين الذين كانوا يعملون لمصلحة الشرعية إلى ضدها، تنفيذا لسياسة قطر الانتقامية من التحالف العربي".

من جهتها، قالت صحيفة «الوطن» السعودية إن الرشوة القطرية تهدف إلى شراء ذمم غالبية الإعلاميين، وترهيب المناوئين للدوحة، واستمرار النزاع في اليمن، وتهديد الحدود السعودية، إضافة إلى تحقيق أغراض ومصالح سياسية أخرى".

دشن بن دغر زيارته الميدانية للوحدات العسكرية، في قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، ومعسكر التحالف العربي في البريقة، لكنه لم يزر قوات تقول مصادر عسكرية انها تابعة للجنرال علي محسن الأحمر، وتتمركز في الضواحي الشمالية لعدن، وهو ما يعزز زيارته يوم الجمعة إلى قاعدة العند العسكرية في لحج.

ظهور بن دغر وخلفه علم الجنوب يعيد إلى الاذهان زيارة قام بها رئيس الحكومة السابق خالد بحاح إلى باب المندب، حيث تعرض رئيس الحكومة اليمنية حينها لهجوم إعلامي من قبل وسائل إعلام إخوانية وصفت نشر تلك الصورة التي ظهر فيها علم الجنوب بـ(الفضيحة)، على الرغم انه لم يشر لا من قريب او بعيد الى العلم الجنوبي الذي رفعته القوات الجنوبية طوال الحرب ضد المليشيات الانقلابية.

تحركات بن دغر التي جاءت وسط دعم كبير من التحالف العربي، لا يبدو انها قريبة من الجنوبيين، لكن خبراء يؤكدون ان بن دغر قد ربما يقترب نحو الجنوبيين ويلامس قضاياهم، لكنه قد لا يجرؤ على الحديث علنا عن ذلك خشية ان يطيح به هادي.

يسعى بن دغر الذي ظل ملازما لصالح الذي حكم عليه بالإعدام، الى الاقتراب بشكل أقوى من الجنوبيين، في محاولة بناء قاعدة شعبية، فطموح الرجل المتقلب أكبر من منصب رئيس الحكومة، فهو يريد لعب الدور الأكبر في اي تسوية سياسية قادمة.

تقول الإعلامية كفى هاشلي عن بن دغر إنه "شخص متقلب، متنقل، متسلق، ضعيف الولاء، قوي التحمل للمهانة، والمتابع لتاريخ بن دغر سيجده حافلا بالسير في طريق ثم العودة ضده او العكس، وعلى قدر دهاء هذا الرجل الذي وصف بالثعلب الا ان القدر دائما يخذله".

وأضافت لـ(اليوم الثامن) "إن المتابع لمسيرته منذ عودته بعد قرار العفو العام سيجده تحول من انفصالي رافض لصالح الى خادم سياسي مطيع، ثم من شخص لم يرحب بهادي طوال تواجدهما مع صالح الى شخص يبايع هادي على الطاعة حاليا، وقبلها كان ساخرا من هادي ورافضا الاعتراف به، ولكن هذا لم يمنعه من القدوم إلى الرياض واعلان الطاعة والولاء".

وتابعت: "الغريب في الأمر ان الرجل اليوم يتقرب للجنوبيين كثيرا ولعله يريد ان يصبح عضوا في المجلس الانتقالي الجنوبي، هذا الرجل يقيس خطواته القادمة وفق الربح والرابح الاخير، ولا يجد في ذلك حرجا".

وقالت الهاشلي: "مؤخرا يشاع ان علاقته متوترة مع علي محسن الاحمر وانه ربما يلقى نفس مصير بحاح، حقيقة ارى الامر من زاوية اخرى فالرجل يقوم بالأدوار وفق عملية دفع مسبق، صالح دفعه لاختراق الشرعية ومضى بشكل جيد وتبددت المخاوف من ثقل الشرعية واصبحت عارا ومحط عدم ثقة للشعب وللتحالف، حاليا يمضي لاختراق المجلس واتمنى الا ينجح لأنه يهدف إلى جعله صوت الجنوبيين الخانعين".

ولفتت إلى أن" بن دغر باختصار (اداة) بيد الاخرين وفي نفس الوقت (نفعي) يعني من الآخر يعتمد على جهود الاخرين ولديه خطوط بكل مكان".

قد يلقى بن دغر ترحيبا في حالة اقترب من الجنوبيين، فالجنوبيون طالما دأبوا على حث المسؤولين في حكومة هادي على العودة إلى الجنوب، بل انهم وقفوا في معركة الدفاع عن شرعية الرئيس هادي عقب الانقلاب عليه، الأمر الذي يعزز من حظوظ بن دغر، لكن السؤال الذي قد يفرض نفسه، ما هي رسالة بن دغر للجنوبيين والاطراف اليمنية والاقليمية التي تتمسك بمشروع الرئيس هادي، المتمثل في الدولة الاتحادية بأقاليمها الستة.

رفض القوات الجنوبية في معسكر قاعدة العند، لمشروع الاقاليم الستة وهتاف جنودها ضد ذلك، ربما قد يعزز من اقتراب بن دغر من الجنوبيين، فالرجل يسعى للسير وفق ما يراه متاحا، فالجنوبيون جزء منهم يرفض الدولة الاتحادية من اقليمين ما لم تكن مشروطة بالاستفتاء على تقرير المصير، وهو ما يعني ان بن دغر قد يبعث برسائل للجنوبيين "بان الدولة الاتحادية بالأقاليم الستة"، مرفوضة حتى من قبل القوات العسكرية التي يجري إنشاؤها في الجنوب، وخيار الفدرالية من اقليمين ربما متاح، خاصة في ظل الرفض الشمالي للأقاليم الأربعة.

ويعتقد مراقبون ان الرجل البارز في حزب المؤتمر الشعبي العام قد يكون نقطة لقاء لكثير من القوى الاقليمية والمحلية التي تبحث عن بديل للإخوان المسلمين المسيطرين على الشرعية بوجودهم في مكتب الرئاسة، وكذا رجلهم القوي علي محسن الاحمر الأخواني ايديولوجيا والمؤتمري تنظيمياً، ليس الا.

فقد يكون بن دغر من وجهة نظر الرئيس هادي هو المعادل الموضوعي لمحسن الاحمر، لاسيما وانهما تعينا في يوم واحد كاستمرار للمحاصصة التاريخية بين المؤتمر والاصلاح، وهو بالنسبة للمملكة موظف اداري مقبول كما ان الامارات لن تمانع بزيادة دوره في الجنوب، بما انه احد الد اعداء الاخوان من حزب المؤتمر.

لكن التسوية السياسية المرتقبة التي يريد بن دغر ان يكون بطلا فيها، قد تفضي الى توافق على دولة اتحادية من اقليمين بحدود العام 1990م، وهو ما يعني ان الخاسر القادم هو الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي فشل في خلق اي تحالفات مع الجنوبيين واصر على التمسك بالأقاليم الستة التي رفضها الجنوبيون مرارا، واعتقدوا ان الانتصار العسكري الذي تحقق قد تجاوز مشروع الاقاليم الستة ولا يمكن العودة لما قبل الحرب التي شنها الحوثيون واتباع الرئيس المعزول صالح.

ربما هادي يقوم بخطوة مفاجئة ويقدم على اقالة بن دغر، خاصة وان الرجل بات قريبا من أبوظبي، وهو ما يعني ان قرار اقالته بات قريبا ما لم يكن للسعودية والإمارات رأي آخر في ذلك.