من هنا نبدأ

يساورني سخط شديد مـخلوط بالشفقة  عندما أرى الإنسان الذي خلقه الله في احسن تقويم

ونعـمـه وكـرمه ونفخ فيه من روحـه وقد تحول إلى حشرة أو أدنى من ذلك.. يـقـبـل

أيدي المـلوك والرؤسا والشيوخ والعلماء والقادة ويؤله رجالا مثله لو رآهم في لحظات ضعفهم

للطم وجهه على ما فرط في كرامته وإنسانيته من اجلهم.

هذه الشخصيات التاريخية والوطنية والسياسية والثورية ومثلها الزعامات الدينية تقوم في

حياتـها ومماتـها في حضورها وغيابها بالسيطرة على عقولـنا وقلوبـنا أو بالأحرى نحن نمنحها

مُقدراتنا ونسلم لها قيادنا وزمام امورنا وندين لها بالتبعية والطاعة العمياء والولاء !

نسلمها عقولنا ونتركها تفكر وتقرر نيابة عنا..

يستشهد الواحد منا بآراء وأفكار وحكايات نقلها له مطبلون ومتزلفون مثله فظن

أنها قبس من نور الذكـر الحكيم أو تنزيل  من السماء.

يأكل الدود صاحبــنا الذي لا نعرف عنه إلا القليل وبعد مئات الأعوام

نكاد نركع أمام أقوالـه ونتقاتل لنثبت صحتـها ونقاتل من يشكك في أي حرف

منها.

كلهم رجال مثلــنا الا إن لم نكن نحن رجالا مثلهم ..منهم من مات وشبع موتا ومنهم من لم يأخذ حفـار القبور أجراً على دفنــه بعد او قيمة لقبره.

لا غضاضة او اعتراض او عــتاب في ان نحترم شيخ من المشائخ او كاتب من الكتاب او قائد من القادة او مبدع من المبدعين او

ثائر من الثوار او شهيد من الشهداء او مناضل من المناضلين

وجميل أن نحرص على آراء وأفكار وأعمال ومؤلـفات وتراث دين أو

معتقد أو مذهب أو زعيم وطني أو قائد ثورة  أو محرر أمة

لكن كل الذين نتمنى أنهم من تـراب الأرض جاءوا وإلى تراب الأرض ودوده

عادوا ... ينبغي أن يظلوا في حدود دائرة إنسانية بكل ضعفها وقوتها  فهم بشر

مثلنا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويمرضون ويقضون حاجتهم ويمضغون القات

 وتنبعث منهم روائح كريهة ويصابون بالضعف النفسي والجنسي والشره والتخمة

والإدمان و .. السكري والضغط  ويتلعثمون وتهاجمهم  الكوابيس..حتى وان كانوا اوفيا ومخلصين واهل مبادئ وقيم وطنية او ثورية او سباسية او دينية ثابتة لا تتزعزع..

فما ظنك ان كنا في هذا الزمن نؤله الخونة والدجالين والاغبياء وكثيرا ممن لا يزالون في موضع الشك والريبة منا في مواقفهم ومبادئهم وقضايا شعوبهم..

عندما ينصحك المتلذذون بالدونيــة بطاعة هذا القائد او ذاك الزعيم او هذا البطل منهم مهما كان ظالما وشريرا

ومستبدا فلا تنصت إليهم فجميعهم اناسا مثلنا ونحن اناسا مثلهم .. أناس ليسوا أعلى من أدنانا أو

أقوى من أضعفنا أو أذكى من أغبانا!

اذن ان شئتم طريق الإصلاح فهو يبدأ من هنا .. من حيث نزع القداسة عن أي إنسان منا كائن من يكون وان نتحرر ونحرر انفسنا من قيود التبعية والارتهان اليه..

ومن هنا تبدأ الحرية ايضا ..

عندما تنتقد وتـشكـك وتتفحص وتغوص في الأعماق وتقرأ ما وراء السطور

وتقف على قـَدم المساواة الإنسانية مع أي شخص في هذه الدنيا فأنت على الصراط

المستقيم.

كبارنا صغار  وقادتنا خلقـَهم الله ضــعافا وزعماؤنا التاريخيون أو الوطنيين او الثوريين او السياسيين

الذين لم يقم مــلــك الموت بزيارتـهم بـعد لو اطـلعت عليهم بين جدران

أربعة لبكيت على كل لحظة خفضت رأسـك أمامهم حضورا أو غيابا

حديثي هذا لا ينتقص قيدَ شعرة من قيمة اي انسان..بقدر ما يرفع الغالبية ليكونوا اناسا كما خلقهم الله ..

حافظ الشجيفي