فقيد الصحافة الحرة

العبسي ووجبة العشاء الأخيرة

مرت ثمانية عشر يوماً منذ وفاة  المدون والصحفي والأديب اليمني محمد عبده العبسي الذي توفى يوم 21-12-2016م في ظروف غامضة ،ولا يزال جثمانه حتى هذه اللحظة في ثلاجة الموتى بمستشفى الكويت بصنعاء التي تخضع لسيطرة مليشيا الانقلاب ( سلطة أمر الواقع ) .

وتداولت آنذاك عدد من المواقع الإخبارية، وصفحات التواصل الاجتماعيآ  خبر يفيد بأن سبب وفاة العبسي هي سكتة قلبية مفاجئة، وبعد ساعات من تداول هذا الخبر اتضح أن سبب الوفاة لم تكن سكتة قلبية كما تداولها الكثير ولكن كان سببها تعرضه لتسمم!! كيف ؟ وأين ؟ ومتى ؟آ  هنا يكمن اللغز وهنا تكمن علامات الاستفهام التي لم نجد لها أي إجابة وكل ما وجدناه قصة تقول أنه وفي اليوم الأخير من حياته كان بمعية ابن عمه الذيآ  تناول معه وجبة العشاء الأخيرة والتي نقلى على إثرها إلى المستشفى ..ابن عمه نقل للعناية المركزة، وكانت عناية الله معه ونجا من الموت بأعجوبة بينما محمدآ  لم يحالفه الحظ وفارق الحياة تاركاً علامات استفهام كثيرة.

آ بالطبع تعددت الراويات حول ملابسات وفاة الصحفي العبسي، و تبقى رواية عشاءه الأخير هي الرواية التي اتفق عليها الجميع ،وقد تكون جزء من الحقيقة وليست كلهاآ  ، والمهم هنا هو أن العبسي لم يمت بسكتة قلبية ولكن مات مسموماً.

آ ظروف موته كانت ولا تزال غامضة لأنه من المؤكد قد يكون ذهب ضحية فضحه لقضايا فساد تبناها إعلامياً، كان آخرها القضيةآ  التي كان يعمل على تجهيزها حول هوامير الفساد في النفطآ  والتي كان على رأسها ثلاثة من القيادات الحوثية البارزةآ  بحسب الوثائق التي تداولتها المواقع الاخبارية .. هذه القضية التي كان قد تحدث عنها مُسبقاً مع القيادي السباق لمليشيا الحوثي " علي البخيتي " والإعلامي " محمد الربع " واللذان بدورهما نشرا محادثاتهما الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الصحفي العبسي الذي كان يعلم تماماً مدى خطورة هذا الموضوع ورغم ذلك تمسك بواجبه كصحفي في التجهيز لنشر القضية وفضح المتلاعبين ممن لم يرحموا هذا الشعب الذي يتجرع المعاناة منذ الانقلاب الأسود على الدولة .

غادر محمد دنيانا وقبل أن تدفن قضيته ارتفعت أصواتآ  كثيرة منادية بضرورة تشريح جثته ،وطالبت نقابة الصحفيين اليمنيين ، وأسرتهآ  بضرورة تشريح الجثة على أن يكون بإشراف طبيب شرعي يمثل النقابة .

توقفت قضية وفاته عند هذا الحد ولم نعدآ  نسمع عن أي تطورات جديدة حولها وها هي لا تزال جثته فيآ  ثلاجة المستشفى معلقة بين السماء والأرضآ  تنتظر من ينصفها ويريحها من العناء التي هي عليهآ  .

أنا قد اعذر نوعاً ما حالة الصمت الحاصلة كون الحادثة حصلت في صنعاء التي تخضع لسيطرة مليشيا الانقلاب والذينآ  يعتبرون احد المتهمين الرئيسينآ  في قضية وفاة الصحفي محمد العبسي، ولكن هذا لا يعني التوقف عن المطالبةآ  بالوصول إلى الحقيقة التي نرجوها خصوصاً وان هناك أيادي خفية تلعب في القضية وتحاول تمييعها من اجل دفن الحقيقة .

أنا لا أخفيكم قلقي الشديد من أن تمر هذه الجريمة مرور الكرام وتصبح مجرد ذكرى يتداولها الكثير، ورقم يضاف إلى الأرقام التي تتحدث عن قتل الصحفيين في اليمنآ  ولهذا على الجميع من الصحفيين والإعلاميين والناشطين وغيرهم في الداخل والخارج أن يعملوا كل ما بوسعهم من اجل إظهار الحقيقة فمحمد لن يرتاح إلا حينما يعرف الجميع من حرمه من ابسط حقوقه وهو الحق في الحياء . لن يرتاح إلا حينما يعلم الجميع من وراء حرمان أسرته وزملاءه وأصدقاءه منه .

ولذلك وجب علينا جميعاًآ  أن نكون صوت واحد للحق فالجريمة هذه ستتكرر وبشكل أوسع وستستهدف كل من يرتفع صوتهآ  .