الجنوب قبل "بيع الرواح"

مشهد جنوبي عصي على التوصيف هذا الذي يعيشه الجنوبيين (شعبا) منذ عشر سنوات عجاف جحيما كوى ظهورهم وجلدها بصنوف المعاناة والأزمات، وعلى النقيض يعيش ذات المشهد الجنوبي جنوبيين (قيادات وكيانات) نعيما وجدوا فيه المكاسب والغنائم والمناصب والمواكب..
نقيضان لمشهد جنوبي واحد لا يجمعهما سوى شعار (تحرير واستقلال الجنوب) ومن أجله تجرع (الشق الشعبي) العلقم ولايزال، فيما ارتشف بسببه (الشق القيادي) الشهد ولايزال.
العنوان بالمنشيت العريض: "قيادات وكيانات اتخذت من قضية وثورة وتضحيات شعب الجنوب سلما أرتقت عليه عاليا".. أما التفاصيل فاليسير منها يكشف حقيقة مؤلمة عن شعب غاية في الطيبة قدم كل ما يمكن أن يقدم لنيل حقه في الحرية والكرامة على تراب وطنه، وفي المقابل تفننت قياداته قديمها وجديدها في إطالة معاناته لما وجدته في القضية الجنوبية من استثمار يدر عليها الكثير، استثمار ملعون، ومهما حاولوا مداراته عن الجنوبيين البسطاء بعلم للجنوب تعلقه تلك القيادات على الحائط خلف ظهورهم فضحتهم دواوين فللهم وشققهم الفارهة التي لا تمت بصلة لعلم شعب يسحقه الفقر والجوع والقهر منذ 27 عاما.. فلل وشقق وسيارات وسفريات لم يكونوا ليجرؤ على مجرد الحلم بامتلاكها قبل سنوات قليلة.
وليبقى المشروع الاستثماري مربحا أكثر وأكثر فلابد من إطالة أمده، وكلمة السر لتحقيق ذلك هي: "التمجلس".. فلهؤلاء مجالسهم ولأولئك أيضا مجالسهم وما بين مجالس هؤلاء وأولئك أيضا مجالس ولم يعد غريبا على المواطن الجنوبي أن يتعثر أثناء سيره في شوارع عدن بمجلس نسته قياداته على قارعة الطريق.
مجالس وكيانات جنوبية بمسميات عديدة لم تعد تفرق في شيء بعد أن تعددت وتمددت ما بين مجلس ثوري ومجلس سلمي ومجلس سياسي ومجلس أكاديمي، ومجلس أهلي ومجلس للي مش من أهلي ولا من أهلك، ومجلس للمعلمين أولى منجزاته الاضراب عن التعليم، ومجلس للعسكريين المتقاعدين وآخر للمدنيين إلي ما يحبوش العسكرة، ومجالس النساء والشباب والطلاب والبراعم، المهم يا سادة أن ينتهي أسم المجلس أو الكيان بلفظة (الجنوبي) و(كيبل) الدعم مضمون سلفا خاصة بعد أن بات الجنوب ساحة لصراع وتنافس إقليمي بل ودولي لم يعد خافيا على أحد.
هل ما قلت صائبا أم خطئ؟ الحكم متروك للمواطن الجنوبي البسيط فهو وحده من يكابد الألم والمعاناة في شموخ منقطع النظير، وعلى النخب الشبابية الجنوبية المثقفة والواعية تقع اليوم مسؤولية تقدم الصفوف والأخذ بزمام المبادرة لانتشال القضية الجنوبية من دكاكين المتاجرين بها منذ سنوات قبل أن يبيعوا الجنوب (بيع الرواح)..
ومثلما أثبت الشاب الجنوبي المثقف والواعي بأنه أيضا مقاتل لا يشق له غبار خلال الحرب الأخيرة، فعليه اليوم انتزاع حقوق وطنه الجنوب وشعبه في إدارة شؤونه وفي العدالة والكرامة والثروة كأسس لا جدال عليها في أية تسوية سياسية قادمة في اليمن.