أنّى لأبي بكر سالم بلفقيه أن يموت!
روحٌ عظيمةٌ، وظاهرةٌ استثنائيةٌ عَبَرتْ أشجاننا وأرواحنا بنفاذيةٍ منقطعة النظير، وتركتْ بصمةٍ دامغةٍ في رحاب أنفسنا العميقة منذ طفولتنا الباكرة.
وكأن أبا بكر كان يعيد تأثيث عالمنا الخاص، ووجودنا، وكل ما يحيط بنا من أشياء ورموز وعلامات، بالكثير الكثير من السحر والافتتان ليُولَّد الجمال من رحم بلاهة العالم الظاهري حولنا وكوارثه، ويُرمم كل ما تصدع في أرواحنا بفعل سنواتٍ عجاف سرمدية، ويّذوّب كل أشكال البؤس والتعاسة المتراكمة فوق بعضها البعض كجليد القارة القطبية بفعل دوامة ضارية من صراعات لا تنتهي.
كان أبو بكر لا يمسح عنّا غبار شقاء الحياة اليومية فحسب، وكما وصف بيكاسو ذات مرة وظيفة الفن، ولكن كانت أغانيه بالنسبة لنا هي الحياة الوحيدة التي نعيشها، والتي نسافر بفرح وسعادة غامرة بين انغامها، وصحبتها لا تُمل في كل زمانٍ ومكانٍ، وقد وجدنا ضآلتنا الفردوسية لمواجهة مستويات متعددة من منافي الواقع بالاغتراب الأبدي في شجنها ودانها العذبين، حتى يحق للمرء أن يقول ، ودون مبالغة، بأن حياته التي عاشها، وهو بصدد ألقاء نظرة على كل ما مر به منذ ولادته، هذه الحياة الحقة باتت مجرد مجموعة متراصة ومتناغمة من أغاني بلفقيه.
لروحك السلام والطمأنينة أيها الأبدي العابر لكل حدود ووجودنا!