أزمة اليمن واستعادة سيادة الجنوبيين

أكبر انتصار حققه أبناء جنوب اليمن منذ هزيمة حرب ١٩٩٤ أنهم استطاعوا في مطلع عام ٢٠١٥ التصدي ومقاومة غزو الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح لعدن وبقية أراضي الجنوب، وتثبيت الانتصار عليهم بدعم قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ما سمح مبكراً للشرعية والتحالف بالقول إنها استطاعت تحرير ٧٠ في المئة من الأراضي (وهي تمثل مساحة جنوبي اليمن) تحديداً وترتفع نسبة الأراضي المحررة لاحقاً إلى ٨٥ في المئة بعد تحرير أجزاء من أراضي شمال اليمن.


كما أن الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي كرئيس للجمهورية اليمنية وهو جنوبي الأصل كان وراء دعوة الاستعانة بأخوته في السعودية لإنقاذ اليمن من التمدد الإيراني لحماية أمن الجزيرة والأمن القومي العربي، لأنه كان من الواضح أن الحوثيين وتحالفهم مع صالح باستعانتهم بالدعم الإيراني لا يمكن مواجهته إلا بدعم الأشقاء في السعودية والإمارات وبقية دول التحالف العربي.


ومما لا شك فيه أنه من دون هذا الدعم العربي الخليجي لما استطاع الجنوبيون الصمود طويلاً أمام غزو الحوثيين وصالح للجنوب، وبفضل هذا الدعم المباشر استطاعت قوات التحالف العربي تدمير الجزء الأكبر من ترسانة الأسلحة والصواريخ التي جمعها وخزّنها صالح طيلة ثلاثة عقود وارتفعت وتيرتها ونوعيتها بالدعم الايراني للحوثيين التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على أمن السعودية وبقية دول الخليج العربي.


هذا الخطر الحقيقي على اليمن والخليج لم يكن بمقدور دول التحالف ردعه من دون وجود غطاء شرعي لتدخلها في اليمن الذي وفرته لها دعوة الرئيس هادي لانقاذ اليمن وإلا اعتبر ذلك بمنظور القانون الدولي عدواناً وتدخلاً في الشؤون الداخلية لليمن.


والآن بعد مقتل الرئيس السابق وتداعياته في الجزء اليمني الشمالي أسدلت هذه الجريمة الستار على مشاهد كثيرة كانت معروفة عند بعض المراقبين وغائبة عن عموم الناس ويمكن تلخيصها بالآتي:
اكتشاف هشاشة الانتماءات الحزبية حيث قامت بعض القيادات البارزة من المؤتمر الشعبي العام بالتواطؤ مع الحوثيين في التآمر على علي صالح وفي قتله، ما يفسر أسباب اعتماد صالح على أبنائه وأبناء أخيه في السلطة لعلمه بهشاشة وحداثة التجربة الحزبية في اليمن الشمالي.


والمعروف أن الحزبية والتعددية السياسية عرفها اليمن الشمالي مع قيام دولة الوحدة في أيار (مايو) ١٩٩٠ بعكس دولة الجنوب التي مارستها منذ فترة الاحتلال البريطاني.
والجماهير الغفيرة التي كانت تصرخ في ميدان السبعين وتهتف لصالح اختفت وتوارت عن الأنظار.


ولا يبدو أن إسقاط الإمامة في ثورة أيلول (سبتمبر) ١٩٦٢ سقط من الذاكرة الشعبية في الشمال بسبب إيمانهم بالزعيم العقائدي، وربما يفسر ذلك سبب رفض علي صالح عند وفاة الإمام محمد البدر آخر الآئمة أن يتم دفنه في اليمن واحتفظ بضريحه في السعودية، خوفاً من أن يكون مزاراً لمؤيديه، وذلك انطلاقاً من أن أحد الأفكار التي تم تداولها قبل انقلاب صالح على الحوثين تمثلت بإمكان تنصيب عبد الملك الحوثي زعيم «أنصار الله» مرشداً أعلى لليمن على نمط ولاية الفقيه في ايران وجعل علي صالح أو ابنه أحمد يتولى رئاسة الدولة.


شعار جمهوريين في النهار وملكيين في الليل الذي عرف في أتون الحرب الأهلية في السبعينات يبدو أنه تكرر من قبل القبائل اليمنية التي لم تقف بقوة مع صالح في الوقت الذي كان يقال ان القبائل تملك من القوة والأسلحة ما يضاهي ما في حوزة الدولة بأستثناء الطيران والبحرية، ما يعني أن طبيعة ولاءات القبائل مرتبطة بقوة السلطة النافذة وبالتالي وقفت مع الأقوى على أرض الواقع المتمثل حالياً بـ «أنصار الله».


إزاء تعقيدات الموقف اليمني ووجود امراء حرب مستفيدين من استمرار الحرب التي تستنفد القدرات المالية والبشرية لدول التحالف العربي قد يرى البعض ان أحد خيارات الحل لمواجهة الأوضاع الراهنة يتمثل بمساعدة الجنوب على استعادة سيادته بعد فشل مشروع الوحدة اليمنية ومقتل أحد رموزها الذي رفع شعار الوحدة أو الموت وهو الشعار ذاته الذي دانه بيان دول مجلس التعاون الخليجي في أبها في حزيران (يونيو) ١٩٩٤.


كما أن الساسة والنخب اليمنية في الشمال لم تعد كما في الماضي ترفض بشكل مطلق الفكرة ذاتها بأنه لا يمكن فرض الوحدة بالقوة إذا لم يكن شعب الجنوب يرغب باستمرارها وهو التفكير نفسه للرئيس الراحل جمال عبد الناصر في موقفه ازاء إعلان انفصال سورية عن مصر.


وبانضمام الجنوب مع الشمال في عضوية مجلس التعاون الخليجي ستلتقي الدولتان مجدداً في إطار مشروع وحدة موسعة من الوحدة بين الدولتين إلى مدخل لوحدة إقليمية أوسع. وهذا ما حدث بالضبط بعد فك ارتباط الاتحاد الفيدرالي لدولة تشيكوسلوفاكيا، إذ تم قبول عضوية كل من جمهوريتي تشيكيا وسلوفاكيا في إطار الاتحاد الأوروبي والأمثلة كثيرة على ذلك.


إن هذا المدخل يؤسس لحل دائم للأزمات المتتالية والصراعات التي لا تنتهي على السلطة وفي الوقت ذاته الوقت يحمي المنطقة من التدخلات الخارجية وعدم الاستقرار.


هناك فرصة كبيرة بجمع الموقع الجيو استراتيجي للجنوب بوجود أهم الممرات المائية العالمية لباب المندب والمحيط الهندي مع الكثافة السكانية الإضافية والثروات النفطية والغازية لتحتل كتلة الخليج والجزيرة العربية مكانتها في موازين القوى الدولية.
إنها ليست أحلاماً وإنما حقائق يمكن تحقيقها في المستقبل غير البعيد.