د. آمال موسى تكتب:
حول زيارة إردوغان لتونس
ليس من عادة التونسيين الاحتجاج على زيارة الرؤساء لبلادهم. وتقريباً إن لم تخني الذاكرة، فإنه لأول مرة أو هي من المرات القليلة جداً التي احتج فيها كثير من التونسيين على الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تونس الأسبوع الماضي.
فما هي أسباب هذا الاحتجاج؟ ولماذا اختار إردوغان زيارة تونس الآن بالذات؟
قبل التوقف عند بعض الأسباب، لعل من المهم توضيح نقطة نعتقد أنها تساعد على تفكيك جوهر رد الفعل الاحتجاجي لكثير من الأحزاب التونسية.. إن علاقة حزب العدالة والتنمية بحركة النهضة التونسية قوية ووثيقة لاعتبارات آيديولوجية وروابط فكرية دينية سياسية. من هذا المنطلق، فإن خصوم حركة النهضة هم في أغلبيتهم خصوم حزب العدالة والتنمية ورئيسه إردوغان. أي أنه بالنسبة إلى غير «النهضويين» فإن إردوغان داعم لحركة النهضة وهو في زيارة إلى حركة النهضة ورئيسها.
فمن منطلق هيمنة هذه النظرة والمقاربة على أحزاب ومنظمات تونسية عدّة كان تأويل رفع إردوغان شعار رابعة أثناء تحيته للحضور وهناك من اعتبر رفعه هذا الشعار ملوحاً به بيده إهانة لسيادة تونس وهيبة الدولة، إذ أن شعار رابعة يلخص دعائم الدولة التركية الأربع والمتمثلة في علم واحد وأمة واحدة وبلد واحد وحكومة واحدة.
وبلفت النظر ما إذا كان التأويل مبالغاً فيه أو عكس ذلك، فإن الواضح أن هناك حساسية اليوم من قِبل الكثير من التونسيين ضد حزب العدالة والتنمية. ولم يشمل التأويل ما تم ذكره سالفاً بل تعدى ذلك إلى انتقاد بعض الجوانب التي أحاطت بحضوره في مجلس الشعب التونسي.
باختصار لم يكن منتقدو إردوغان وحزبه متسامحين مع طريقته في الحضور ولا في كيفية قراءة رسائله إلى درجة أن هناك بعض الأحزاب والمنظمات عبرت عن رفضها للزيارة أصلاً متعرضة إلى علاقة تركيا الاستراتيجية بإسرائيل مع التعبير عن تحفظاتها من أن تركيا ربما تورط تونس بهذه الزيارة فيما تمت تسميته لعبة المحاور الإقليمية.
من جهة ثانية هناك قضية خطيرة جداً مثلت سر التوتر المسكوت عنه بين تونس وتركيا واختارت تونس الصمت رغم خطورة الدور التركي، ونقصد بذلك ما سمي بالتواطؤ التركي بخصوص انتقال عناصر إرهابية من تونس إلى سوريا عبر أراضيها وغض الطرف عن شبكات تسفير آلاف التونسيين إلى سوريا عن طريق تركيا.
هذه القضية شغلت الرأي العام التونسي كثيراً وتضررت منها عائلات تونسية كثيرة فقدت شبابها الذي انتدبته شبكات تسفير الشباب وقامت بإغرائهم بالفتات من الدولارات وتسهيل وصولهم إلى سوريا من خلال تركيا التي كانت بنظرهم طرفاً في هذه المأساة.
إذن يمكن القول إنه احتجاج مركب يقوم أساساً على ربط حزب العدالة والتنمية بحركة النهضة وعلاقة الدعم بينهما وأيضاً سماح تركيا للشباب التونسي بالوصول إلى سوريا للقتال والانضمام في الشبكات الإرهابية من خلال أراضيها.
ولكن لماذا قرر إردوغان زيارة تونس الآن؟
إذا اعتبرنا أنه بالفعل كان هناك توتر مكتوم الصوت والضجيج بين البلدين بسبب تسهيل انتقال الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، فإنه لم يكن بالإمكان أن تكون الزيارة قبل هذا التاريخ. ويبدو أن تركيا تعالج فعل الأمس بتعاون أمني استخباراتي عسكري مع تونس اليوم، حيث إن تونس تعرف حرباً على الإرهاب والمعلومات التركية في ملف الإرهابيين التونسيين ستكون مفيدة للجانب التونسي.
أيضا لتركيا مصلحة اقتصادية كبيرة في تونس يؤكدها حجم المنتجات التركية التي يتم تصديرها إلى تونس. ولا تفوتنا الإشارة في هذا السياق تحديداً إلى أن مناقشة مجلس النواب في الأسابيع الأربعة الأخيرة لمشروع قانون المالية قد شهدت نقاشات حادة جداً في خصوص الرفع في الأداءات على المنتجات التركية. ولقد دافع النواب المتمسكون عن ضرورة هذه الأداءات بواقع ميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا. وما يؤكد لنا ارتباط هذه الزيارة بالموضوع الضريبي المشار إليه هو أن هذا الموضوع كان على رأس بنود الحديث الذي دار مع رئيس الدولة التونسيّة الباجي قائد السبسي. وهو ما يعني أن السبب الاقتصادي أهم أسباب هذه الزيارة، ولقد حاول السيد إردوغان التعبير عن استعداده لمعالجة ميل الميزان التجاري من خلال الوفد المكون من رجال أعمال الذي كان مرافقاً له في هذه الزيارة واصفاً تونس بأنها وجهة اقتصادية استثمارية واعدة في المنطقة.
مما لا شك فيه هو أن احتجاج التونسيين المحتجين من أحزاب ومنظمات متعدد الأبعاد والرسائل ويدور حول وجود توجس حقيقي إزاء قيادات الحزب الحاكم في تركيا وانتباه إلى مواقفه على المستوى الإقليمي وارتباطاته بالأحزاب الإسلامية في المنطقة.