ربع قرن على تأسيسه
الإصلاح اليمني.. ماضٍ لا تغيب عنه الشمس
بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيس حزب (التجمع اليمني للإصلاح)، نشر محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع بياناً أعلن فيه ما سماها "رؤية الحزب الآنية والمستقبليّة"، ولعل أكثر النقاط التي أشعلت الجدل العام كانت تلك المتعلقة بنفي أي علاقة تربطه بتنظيم (الإخوان المسلمون) الدولي.
وفي سياق التعليقات على البيان، أشار البعض إلى أن نظامه الأساسي ما زال يُعرّف الحزب على أنه "حركة تُشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الإسلامية المتنامي"، وتيار الصحوة الإسلامية هي التسمية المرادفة لحركة الإخوان المسلمين وامتداداتها في العالم الإسلامي، ولهذا اعتبروه مجرد بيان مراوغ جاء كاستجابة مضطرة لضغوط كبيرة يتعرض لها الحزب من دول إقليمية تدفعه لفك ارتباطه بالحركة الأم أكثر من كونها توجها مبنيا على قناعة.
من وجهة نظري ليست هذه النقطة هي أكثر النقاط التباساً التي تضمنها البيان، ربما قد يكون السبب وراء الضجة التي خلفتها هو طابعها الجدلي في خضم الصراع السياسي الراهن متعدد الوجوه، لكن هنالك مضامين هي أكثر مدعاة للانشغال والتعليق عليها.
في البيان الجديد جاء تعريف الحزب على النحو الآتي: "حزب يمنيّ المنبت والجذور وهو امتداد لحركة الإصلاح اليمنية التاريخية فكراً وسلوكاً في جميع ربوع اليمن، والتي عملت وظلت تعمل لإعادة الوجه المشرق لليمن وتحريره من التشوه الذي أصابه بفعل الاستعمار الأجنبي والحكم الاستبدادي الطبقي العنصري للأئمة".
ولو نظرنا إلى التشكيلة التنظيمية التي يقوم عليها الحزب: الأعضاء المتأثرين بالفكر الإخواني، القبائل، السلفيين، لظهرت لنا أكثر من ملاحظة في ضوء هذا التعريف، وعلى البيان بشكلٍ عام.
يزعم التعريف وجود "حركة إصلاح تاريخية" كانت هي الأساس المتين الذي بنى عليها الحزب مشروعه، وهذا غير دقيق، فالحركة بمعناها المُتعارف عليه لم تُوجد قط، ربما ما يعنيه البيان هنا هو وجود رجال دين ظهروا في التاريخ اليمني في حُقب متفرقة، وقد يكون اللاحقون تأثروا بالسابقين، هذا محتملٌ جداً بحكم الطبيعة الأصولية للتيارات الإسلامية وانشدادها دوما إلى الماضي باعتباره النموذج الأمثل والأكمل، لكن ما مدى التأثير الذي تركته هذه الشذرات الدعويّة التاريخية في وعي أعضاء الحزب بمختلف صنوفهم (إخوان، قبائل، سلفيين) مقارنة بحجم تأثير الأفكار الوافدة من خارج اليمن، سواء التاريخية منها أو الآنية؟.
سلفيو الإصلاح كأحد الأمثلة، ويُشكلون مكونا هاما من مكونات الحزب، وأفكارهم الأصوليّة هي أقرب إلى أفكار الأئمة التاريخين للسلفية كابن تيمية ومحمد عبدالوهاب منها مثلا إلى أفكار الإمام الشوكاني أو ابن الأمير الصنعاني اليمنيين، وهم أبرز رجال الدين المُشار إليهم بـ"حركة الإصلاح اليمنية التاريخية"، هؤلاء السلفيون يشكلون حالة قد تكون على النقيض مما يزعمه البيان، فضلاً عن الارتباطات المادية المؤثرة بالشبكة السلفية في دول الجوار. ولعل "ميثاق العمل الدعوي بين علماء ودعاة اليمن" الذي تم توقيعه في الرياض قبل أيامٍ قليلة وكان لحزب الإصلاح مشاركة قوية فيه عن طريق رجال الدين، فضلاً عن حضور رئيس الهيئة العليا نفسه (محمد اليدومي) المؤتمر وتوقيعه على الميثاق، يفصح بجلاء عن هذا الاتجاه والميول، حيث تم التأكيد في المقدمة بأن الميثاق يرتكز على أصول أهل السنة والجماعة، الذين التزموا على جادة الصحابة وأئمة الإسلام في القرون المفضلة، يمثله العلماء والدعاة، ويوجهون من بعدهم للقيام به.
ومما أشار إليه بيان الحزب وهو بصدد تعريف نفسه بأن "حركة الإصلاح التاريخية" كان هدفها الرئيسي إعادة الوجه المُشرق لليمن، وتحريره من التشوه الذي أصابه. لكن البيان لم يقل ما هي اللحظة التاريخية التي بدا فيها "وجه اليمن مشرقاً" حتى يتم إعادته إليها، وما هي الآلية المناسبة التي سيعيد بها التاريخ إلى الوراء أو صب الماضي في قالب الحاضر، ربما قد تكون هي أفكار حركة الإصلاح التاريخية التي لم تتمكن هي نفسها من تحقيق هذه "الإشراقة" في عصرها؛ أو ربما عن طريق إدارة ما سماه البيان بـ"التنوع القبلي والجهوي والعادات والتقاليد".
وعلى سبيل ادعاء المعاصرة كان عليه أن يُشير إلى أن "النظام الجمهوري الذي ارتضاه الشعب اليمني هو الأفضل"، لكن الغاية المُحرَكة للوعي الباطني قد خانت الهدف من حشر هذا التأكيد العرضي، فهو لم يقل بأن النظام الجمهوري (النموذجي) بشكلٍ عام هو الأفضل، وكما هو معروف بأن الأنظمة الجمهورية في دول العالم الثالث هي أنظمة جد بدائية، وهي استمرار لنماذج الماضي مع وضع قليل من الديكورات العصريّة، فهل الموجود هو النموذج الأفضل في نظر حزب الإصلاح؟ أما الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية فقد اعتبرهما البيان الآلية المعاصرة الأنسب بشرط أن لا تخرج عن مبدأ الشورى، وفي الحقيقة هو تفريغ ساذج وأهوج للديمقراطية والتعددية معاً بكونهما منظومات قيمية ومؤسساتية متكاملة عند إخضاعهما للفلترة عبر وسيلة بسيطة كالشورى لا تتعدى وكما تمثلت في نموذجها التاريخي الطاغي عن المشاورة وإبداء الرأي.
الإصلاح حزب أصولي تقليدي ماضوي حتى النخاع، ما زال يخضع في سلوكه وتوجهاته لتأثيرات ومصالح شبكته التقليدية المهيمنة والمتمثلة في القبائل والسلفية الأصوليّة، وعندما يحاول إرسال رسائل (سياسية) تطمينية اضطراراً لمواكبة مرحلة من المراحل، أو ظروف تفرضها عوامل الصراع، يظهر أكثر تشوهاً والتباساً.