د. ياسين سعيد نعمان يكتب :

التدمير الذاتي

حينما يبدو أن هزيمة العدو قد أصبحت تحدٍ لا يجوز الاستهانة به ، تذكر أنك في حاجة إلى تصحيح وإعادة بناء قواعد المواجهة . إحذر أن تبدأ بتضخيم مشاكلك ، وتفريعها ، والغرق في تفاصيلها. في هذه الحالة انت لا تعمل أكثر من تشتيت طاقتك لهزيمة نفسك بنفسك . كل ما يجب أن تقوم به هو الاعتراف بأن جزءاً كبيراً من ممانعة العدو يكمن فيما وصل إليه حالك ، وهو ما يعني أن إصلاح هذا الحال أصبح ضرورياً لمواصلة المعركة . وفي إطار هذه العملية التصحيحية يتم استحضار عناصر هذه الطاقة وإعادة بنائها بأسس جديدة تستخلص من التجربة. هزيمة النفس عملية تتم بتدمير كل عناصر القوة الذاتية عنصراً عنصراً بدوافع وذرائع مختلفة ، وبأدوات تستبطن الخيبة أكثر من أي شيء آخر. وهي تتم بتدبير من تقديرات خاطئة في قراءة الصعوبات ومسارات الأحداث. لا يوجد ما هو أسهل من أن نختلق المعارك والخصومة مع عناصر قوتنا في ظروف التحديات الكبرى ، لا لشيء إلا لأن الطبيعة البشرية ميالة في ظروف الشدة إلى أن تستعدي محيطها والعناصر المكونة لقوتها لتفتح لنفسها أفقاً نحو مظلومية وهمية تُمارس فيه طقوس هذه المظلومية التي تغلف الشعور بالخيبة . كم هي التجارب البشرية التي وقعت في فخ هذا الخلط الناشئ عن هذه الخيبة التي يولدها الاحساس بصعوبة هزيمة العدو والهروب من ثم إلى تدمير عناصر القوة الذاتية في معارك داخلية طاحنة . اليوم ينصب فخ كبير ، من حيث نعلم ولا نعلم ، لتدمير القوة الذاتية "للجبهة" الواسعة التي تسعى لاستعادة الدولة من أيدي الانقلابيين . تغذي عملية التدمير تلك أخطاء سجلتها وقائع لم نحسن إدارتها في ذات اللحظة التي كان يجب أن ننتبه فيها إلى أن المعركة التي نخوضها هي ذات أبعاد مركبة ، فيها ما يمكن السيطرة عليه ، وفيها ما يحتاج إلى تصحيح حاسم في حينه ، وفيها ما يحتاج إلى تسويات ، وفيها ما يتطلب تنازلات ، وفيها ما يستدعي النوم على وجع ... غير أن الأهم من كل هذا هو الإصرار على تحقيق الهدف الذي يبرر تضحيات الناس ، ومعه الإمساك بالحلقة الاساسية التي تستطيع بواسطتها ضبط ما ينشأ عن هذا الوضع من تداعيات . الأقوياء وذوي الاهداف العظيمة وحدهم القادرون على ترتيب خياراتهم بايقاعات متناغمة مع هذه الاهداف ، وإعادة ترتيب خطواتهم في ميدان المواجهة بعيداً عن الخصومة المغلقة على حسابات لا تسمح بالمراجعة لتصحيح الأخطاء ، وبعيداً عن تعسف طبائع الواقع الذي يجري التحرك فيه ، وبعيدا عن سلوك الإقصاء والزعيق الذي تستولده نرجسية لا تستطيع في لحظة الجد أن تبرر دوافع فعلها. لا بد من القول إن كل مؤشرات الأزمة بفواجعها الكبيرة تطرح في اللحظة الراهنة مسئولية إعادة بناء قواعد المواجهة متجاوزين ما أصاب "الجبهة" من شروخ .