هاني مسهوريكتب:

محمد بن سلمان.. تأسيس السياسة

عندما سُئلَ محمد أسد - (ليوبولد فايس قبل إسلامه) - عن رأيه في الملك عبدالعزيز اختصر رأيه في: (كان طويلاً بين الرجال) وأشار بيده إلى الأعلى، دائماً يستحضر ذاكرتي هذا الرأي كلما ظهر الأمير محمد بن سلمان في المشاهد الكبيرة التي لا تكاد تتوقف في السنوات الأخيرة من ظهوره السياسي كشخصية قيادية تمتلك إرادة ورغبة جامحة في إحداث التغيير كما كان جدّه مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ فالتقاطعات بين الشخصيتين كثيرة بل وتصل إلى التطابق في ناحية التصميم والعزيمة بثقة فيما يمتلكه من قوة داعمة له، فكما كان الجدّ المؤسس مؤمن بقدرته على تكوين المملكة فالحفيد مؤمن بقدرته على ريادة هذه المملكة التي لا تشيخ بل هي تزداد رغبات وطموحات.

لا يُمكن قراءة زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا من دون القراءة في زيارته إلى مصر فالزيارة التي حملت مضموناً سياسياً عميقاً جداً تتمثل في التزام السياسة السعودية تجاه الثورة المصرية في 30 يونيو 2013م وما تُمثله تلك الثورة من تأسيس مرحلة لها أبعادها وتحولاتها السياسية على الصعيد الدولي بالوقوف مع مصر في واحدة من أهم معاركها الوجودية على الإطلاق، لذلك جاءت هذه الزيارة لتؤسس العلاقة السعودية المصرية على أرضية ما بعد تجاوز تلك المرحلة التي مضت وباتت مصر تستعد لرسم ملمحها السياسي المُستقر تماماً بخوضها الانتخابات الرئاسية التي تؤكد فيها مصر أنها تعافت وأنها تعود لتلعب دورها السياسي في الشرق الأوسط ضمن شراكة تقوم على استدامة اقتصادية غير تقليدية فدخلت القاهرة في مشروع نيوم من خلال تأسيس صندوق مشترك مصري- سعودي بقيمة 10 مليارات دولار تساهم فيه مصر بألف كيلومتر من الأراضي الواقعة في جنوب سيناء، بالقرب من البحر الأحمر، هذا المفهوم الجديد من التأسيس السياسي المرتكز على مستقبل بعيد المدى اقتصادياً هي السياسة الجديدة للقيادة السعودية ورؤيتها المختلفة تماماً عن ما قامت عليه العلاقات السياسية على أسس الأمن القومي الذي يبقى الجزء الأهم عبر دعم وإسناد الجمهورية المصرية في مكافحتها للإرهاب كالتزام سعودي ثابت لم يطرأ عليه تغيير.

ما حدث في زيارة الأمير محمد بن سلمان كان تأسيساً سياسياً جديداً لعلاقة أكبر دولتين في العالم العربي والشرق الأوسط، لذلك كان ما يفعله الأمير محمد بن سلمان في مصر محط أنظار العالم فالرجل الذي يستعد لوثبة عالية نحو بريطانيا أرسل محفزاً مختلفاً عندما أشار إلى أن بريطانيا ستكون اعتباراً من ربيع العام 2019م خارج الاتحاد الأوروبي وما يقتضيه البريكست من مستجدات، فالسعوديون هم الوحيدون القادرون بل والراغبون الأكثر في الاستثمار فيه.

زاوية الرؤية لمستقبل بريطانيا بعيون أهل الصحراء تختلف عن غيرهم، فهذه الزاوية الصعبة والحادة لا يَنظر إليها كثيرون بينما أنها الأهم وهذا ما دعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون يتلقفها بسرعة قبيل وصول ولي العهد السعودي إلى لندن في مقالة وضع عنوانها (مستقبل السعودية والمنطقة والعالم الإسلامي يعتمد على نجاح الأمير محمد بن سلمان في مسعاه)، ولذلك كانت وسائل الإعلام البريطانية تُبدي اهتماماً غير عادي بما يُمكن أن تذهب إليه نتائج هذه الزيارة التي بالفعل وضعت أسساً سياسية جديدة للعلاقة بين المملكتين السعودية والبريطانية.

تتلهف بورصة لندن لتحصل على نسبة الـ 5% من أسهم شركة أرامكو الأكبر في العالم، هذا التلهف البريطاني قابله السعوديون بكثير من الملفات السياسية التي تبدأ بالتصدي للمشروع التوسعي الإيراني ولعل بريطانيا التي تُبدي رغبة واضحة تجاه التصدي للبرنامج البالستي الصاروخي وحاولت إصدار قرار إدانة من مجلس الأمن الدولي في (فبراير 2018م) اصطدم بالفيتو الروسي أعطت للأمير محمد بن سلمان الانطلاق من أرضية ثابتة بالتوافق مع رغبة لندن الوقوف في وجه إيران والالتزام باتخاذ إجراءات تحجيمها.

تتوافق الرياض ولندن في ملفات مكافحة الإرهاب ودعم الحل السياسي في اليمن أيضاً هذا التوافق العابر بين عشرات العواصم العربية والأوروبية يجب أن يتحول إلى نمطية تأثير فعّال بقوة ترغب فيه السعودية من أجل تحقيق أعلى درجات الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط لتتمكن من إنجاح التحولات الاقتصادية الكبيرة في المنطقة خاصة وأن بريطانيا تبدو أكثر اندفاعاً نحو بناء شراكات جديدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وما سيتطلب ذلك من أعباء على الاقتصاد المحلي.

90 مليار دولار هي أرضية استثمارية بين السعودية وبريطانيا لمدة عشر سنوات مقبلة، اللافت أنها استثمارات للمستقبل ولمدة زمنية بعيدة المدى، هذا مفهوم غير تقليدي في الشراكات التي تشهدها السياسة السعودية المستحدثة التي تقوم على وضوح رؤية نحو المستقبل المشترك بين السياسة والاقتصاد مما يمنح بالتأكيد استقراراً أكثر عندما تتطلب المتغيرات السياسية الطارئة والأحداث غير المتوقعة اتخاذ مواقف واضحة من كل الأطراف مما يعني أن الأمير محمد بن سلمان يؤسس لسياسة جديدة وفق قواعد جديدة ومحددات جديدة بما يضمن مستقبلاً سياسياً يتعاطى مع الأزمات بثبات وقوة مع كل الشركاء حول العالم، وهذا ما سيتأكد أكثر وأكثر سواء من بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة وفرنسا أو ما سيتم تأسيسه من تحالفات جديدة ثنائية أو جماعية.

* كاتب يمني