نموذج ناجح لأفريقيا

المغرب يحطم غرور خصومه

خرج خصوم المغرب يجرون أذيال الخيبة في سباق عرقلة تواجده بالاتحاد الأفريقي، ولم يفلحوا في مسعاهم رغم كل تلك المبالغ التي أنفقتها الجزائر كي لا تتحقق هذه اللحظة التاريخية مساء 30 يناير 2016.

كان يوما صعبا في تاريخ الدبلوماسية المغربية، إذ عرف معركة شرسة بين الحلف المدافع عن الشرعية وذاك المناهض لها، لينتقل المغرب من دبلوماسية الهجوم عن بعد إلى المواجهة عن قرب مع تشكيلة متنوعة من ألاعيب الخصوم غير المكشوفة.

ماذا استفادت الجزائر كل هذه العقود من غياب المغرب داخل تلك المنظمة القارية؟ لا شيء يذكر لا على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ولم تقدم في المقابل أي قيمة مضافة لهذا الاتحاد منذ أن كان يسمى منظمة الوحدة الأفريقية.

بعودة المغرب إلى حضن أفريقيا رسميا ستبدأ بوليساريو بالتشكيك في طبيعة واقعها داخل الاتحاد وموقعها الحقيقي ضمن أجندة الدول التي تحركها ضد مصالح المملكة، وسيبدأ قادتها مرحلة طرح أسئلة وجودهم الفيزيائي على الأرض.

حاليا الرؤية عند الخصوم ضبابية وقناعاتهم زعزعها دخول المغرب رسميا إلى الاتحاد. ويبدو أن خصوم المغرب لم يعوا جيدا التحولات الإقليمية والدولية التي تجري حولهم، لم يستفيدوا من تجارب الغير في الاندماج وتطوير أسلوب التعاون بدل خلق نزعة التشتيت والتنازع والانفصال.

ما المعنى من إقحام اسم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة نائبا لرئيس الاتحاد الأفريقي الجديد؟ سؤال يحمل في طياته عدة أجوبة، فالرئيس الجزائري لا يستطيع بحكم ضرورة المرض أن يتحكم في الدواليب المحركة للقرار الجزائري. لكن الطغمة الحاكمة هناك تريد أن تعطي انطباعا بأنها لن تحيد عن سياستها الداعمة لبوليساريو، وأنها لن تستكين في مقارعة المغرب حتى وإن كان رئيس الاتحاد أحد أصدقائه.

لقد برهنت الجزائر وخصوم المغرب أنهم لا يريدون أفريقيا متطورة متقدمة ومتفاهمة وهم يحاولون تكرار تجربة الاتحاد المغاربي الذي مات في المهد بعدما كان أملا لشعوب المنطقة، وهنا يقول العاهل المغربي، إنه في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك، والحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة، ومما يبعث على الأسى أن الاتحاد المغاربي يشكل، اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الأفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع.

فرصة المغرب كبيرة الآن في الانكباب على تغيير قناعات دول أفريقية كثيرة لا تزال تعيش زمن ما قبل 30 يناير، دول لم تستوعب بعد أن المغرب وضع أرجله بثبات داخل الاتحاد الأفريقي، ويعمل الآن على أولويات واقعية وصادقة مبنية على مبدأ رابح – رابح، الذي تم تسويقه بشكل جدي اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وتنمويا وأمنيا ودينيا.

وهذا ما أكد عليه العاهل المغربي في خطابه التاريخي أمام قادة الاتحاد الأفريقي بقوله “إن منظورنا للتعاون جنوب – جنوب واضح وثابت، فبلدي يتقاسم ما لديه، دون مباهاة أو تفاخر، وباعتماده على التعاون البناء سيصبح المغرب، وهو فاعل اقتصادي رائد في أفريقيا، قاطرة للتنمية المشتركة”.

لكن الجزائر والدول التي تدور في فلكها تريد اتحادا أفريقيا على المقاس، في حين يريد المغرب أفريقيا تتمتع باستقلالها على كافة الأصعدة، قارة قوية بطاقاتها البشرية والمادية وناجحة في تحقيق أهداف التنمية والسير في طريق الديمقراطية، والقطع مع أساليب عهود الانقلابات والمجاعات والأوبئة.

يدخل المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وبوليساريو لم تبرح مكانها متخلفة وتعيش على المساعدات وتخترق كل مجالات حقوق الإنسان من بيع للأطفال ومتاجرة في المساعدات والاغتناء من التهريب وممارسة الابتزاز. هل يمكن لمثل هذا الكيان أن يجاري دولة كالمغرب تجر وراءها تاريخا عريقا وخبرة متراكمة في تدبير أمورها بكل احترافية ورزانة ظهرت نتائجها في الثلاثين من يناير 2016؟

لا أظن ذلك، فالمغرب لم يكن متعجلا كثيرا في العودة إلى المنتظم الأفريقي، لكنه كان واثقا من النتائج الإيجابية ولديه وعي تام بالتحديات الموضوعة أمامه. والآن يدشن المغرب عهدا جديدا يحتاج معه إلى جيل من السياسيين يتقن لغة الإقناع وفلسفة الاندماج مع كافة السيناريوهات الممكنة وغير المتوقعة. الملك المغربي استطاع أن يحقق قفزة جبارة في الفضاء الأفريقي ويقتحم أسوار الاتحاد بحذق وبراعة خطط لها منذ مدة ليست قصيرة. لكن النخبة السياسية كانت، ولا تزال، في غيبوبة قل نظيرها تحتاج معها إلى صدمة كهربائية كي تستفيق من غفلتها وتعمل ضمن فريق واحد إلى جانب المؤسسة الملكية لمواجهة كل العراقيل.

الأحصنة التي راهنت عليها بوليساريو والجزائر بدت خاسرة وحاولت تسريب رسائل تدليس تشكك في نوايا المغرب من عودته إلى الاتحاد الأفريقي، وهذا دليل على تخبطهم وتزعزع قناعاتهم. نية المغرب لخصها العاهل المغربي بجواب تطميني واقعي بتأكيده “إننا ندرك أننا لسنا محط إجماع داخل هذا الاتحاد الموقر. وهدفنا ليس إثارة نقاش عقيم، ولا نرغب إطلاقا في التفرقة، كما قد يزعم البعض بل جهود المملكة المغربية ستنكب على لم الشمل، والدفع به إلى الأمام”.

إن كل السياسات التي سيتبناها المغرب من داخل وخارج مؤسسات الاتحاد الأفريقي ستخدم أفريقيا وشعوبها، وهذا سيعزز نموذجا ناجحا لأفريقيا تعتمد على الذات بدل نماذج استنزفت خيرات بلدانها ودفعتها إلى حافة الهاوية. ومعارك القارة ضد التخلف والحروب الأهلية والفساد ليست فقط قانونية وسياسية وإعلامية وقضائية، بل هي أيضا ثقافية وعلمية، فلا بد من ثورة مهيكلة داخل الاتحاد نفسه لتعم على شعوب القارة ومؤسساتها.

بعد دخول المغرب إلى مؤسسات الاتحاد ضروري أن تكون مفاجآت التحولات التي ستظهر في غير صالح محور خصوم المغرب، فأفريقيا اليوم كما يراها الملك محمد السادس “يحكمها جيل جديد من القادة المتحررين من العقد، يعملون من أجل استقرار شعوب بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي”.

ومن الطبيعي ألا تكون دمقرطة الاتحاد وكامل أفريقيا من أولويات خصوم أسلوب المملكة المغربية، ومع ذلك فقد دخلوا بعد 30 من يناير 2017 في حالة انتظار يطبعها قلق وحيرة وترقب من أسلوب المغرب وطريقة تفاعله مع المستجدات.

كاتب مغربي