سلمان الدوسري يكتب:

قطر تدين قطر!

بعد أن كانت قوائم الإرهاب التي أصدرتها الدول الأربع المقاطعة لقطر «مفاجأة مخيبة للآمال» و«حملة لتشويه قطر»، وبعد أن كانت الدوحة تؤكد أن «كل الأفراد الذين لهم صلات بالإرهاب في قطر حوكموا»، بحسب الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري، رداً على إدراج أفراد وكيانات قطرية في القائمة، ها هي الدوحة تدين نفسها بنفسها، وتصدر قائمة، وهي بالمناسبة الأولى في التاريخ القطري، تتضمن مجموعة من الأسماء والكيانات كانت قد برأتهم سابقاً ودافعت عنهم بشراسة، أي أن الدوحة وفرت الحماية الكاملة والحرية غير المنقوصة لمتهمين بالإرهاب ليواصلوا أنشطتهم طوال الشهور التسعة الماضية من داخل حدودها وخارجها، قبل أن تتذكر الدوحة أنهم فعلاً متهمون بالإرهاب وتدرجهم في قائمتها الخجولة.

 

السياسة القطرية مرتبكة للدرجة التي فضحت نفسها أكثر من كونها أصدرت قائمة مطلوبين تذر بها الرماد في العيون، فمواطن قطري مثل عبد الرحمن بن عمير النعيمي، مدرج على قائمة الإرهاب الأميركية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013، وعلى قائمة بريطانية مماثلة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وقائمة الدول المقاطعة منذ يونيو (حزيران) 2017. وتعتقد وزارة الخارجية الأميركية أنه حول أكثر من مليوني دولار شهرياً لتنظيم القاعدة في العراق لفترة معينة، من يصدق أن قطر الآن فقط تضعه على قائمة الإرهابيين، وكذلك فعلت مع سعد الكعبي الذي تتهمه الولايات المتحدة بتنظيم حملات لجمع الأموال لفائدة تنظيم القاعدة في سوريا، أما ثالثة الأثافي فهي وضع تنظيم داعش فرع مصر، وليس التنظيم الأم، في القائمة، فالدوحة احتاجت كل هذه السنوات لتتأكد أن فرع «ولاية سيناء» وحده هو التنظيم الإرهابي، ناهيك أن تنظيم القاعدة لا تعتقد الدوحة استحقاقه أن يكون ضمن أول قائمة للإرهاب تصدرها، بينما تفضل عليه متجراً صغيراً لبيع الهواتف الجوالة وآخر لتأجير السيارات وثالثاً للمظلات والخيام ورابعاً للمفروشات وخامساً للعقارات، أي استهانة بمكافحة الإرهاب تفعلها الدوحة أكثر من هذا؟!

 

قبل يوم واحد من إصدار القائمة القطرية العرجاء كان هناك اتفاق بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب على أهمية وقف دعم الإرهاب وتمويله، بل إن ترمب قالها صريحة «لن نتسامح أبداً مع تمويل الإرهاب، ونعمل مع السعودية بشكل جدي بهذا الشأن واتفقنا على إنهاء العلاقة بين أي دولة والإرهاب»، ولا جدال أن الدوحة قرأت الرسالة بشكل واضح وجلي فهي المعنية بها، خاصة في ظل تولي ثلاثة من الصقور المحافظين عرف عنهم حربهم الشرسة ضد الإرهاب وتمويله مناصب مهمة في الإدارة الأميركية، وأعني كلاً من مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجينا هاسبل مديراً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية وجون بولتون مستشاراً للأمن القومي، إلا أن الدوحة وكعادتها تعاملت مع هذه التغييرات بسذاجة، ولا أظن أن هناك من صدق أن قطر عازمة فعلاً على مكافحة الإرهاب عندما تصدر قائمة مهلهلة لا معنى لها، فلا تزال تتخذ بعض الإجراءات المحدودة وغير الفاعلة ضد الممولين للإرهاب، مثل إيقافها سابقاً حملة «مدد أهل الشام» لجمع التبرعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة في سوريا»، غير أنها دائماً في جميع تلك الخطوات، لا تتحرك إلا رداً على ضغوط خارجية كبيرة، وفي نفس الوقت كل خطواتها في حقيقتها صغيرة جداً ولا تقنع أحداً أبداً بعزمها على مكافحة الإرهاب.

 

كل ما فعلته الدوحة بإصدار قائمتها التاريخية اليتيمة هو ركوب أول عتبة من السلم وربما الانتظار تسعة أشهر أخرى، بينما أمامها 49 عتبة أخرى عليها اجتيازها، لكنها تنسى أنها إذا ما واصلت تقاعسها ومكابرتها فأمامها 49 سنة قادمة لتنهي مقاطعتها.

 

* نقلا عن "الشرق الأوسط"