ماجد الداعري يكتب:

وعدت إلى الحياة


لم يتمالك طفلي بشار أن يرى والده ينهار في غيبوبة أمام عينيه، حتى كاد أن يفقد عقله من الخوف وهول الموقف الغير معتاد لديه..
فبين ثوان قليلة ولحظة وأخرى فقدت الوعي تماما وانهارت كل قواي الحسية والعقلية،حتى اعتقد من حولي أنني قد اكون فارقت الحياة،بفعل مفعول حقنة مضاد حيوي كنت استكمل آخر سنتيمترات منها قبل مغرب،أمس الخميس،وفي لحظة كانت أمعاء بطني خاوية مع الأسف، من الأكل المطلوب لتقبل مثل تلك الحقنة التي اتعاطاها لليوم الثالث بتوصية طبيبة إذن وانف وحنجرة أقرتها لي لتجاوز جروح متقرحة بشدة تعشعش في حلقي وتحرمني بآلامها التي لاتقاوم،حتى من القدرة على الأكل والشرب في الوقت الذي تتطلب مني تلك الحقن، أكلا وتغذية جيدة، حتى يتمكن جسدي المنهار مع الاسف -بفعل السهر والارهاق وادمان القات- من تقبل علاج الحقن البطيء عبر الوريد المقرر كعلاج لحالتي التي صاعفها إصراري الجنوني على الاستمرار بتعاطي القات حتى مع بداية الشعور بآلام التقرحات.
وبحمد الله أفقت بسحر الماء البارد وبعد ثوان قليلة من تلك الغيبوبة المفاجئة ولكن على فاجعة أكثر ايلاما بالنسبة لي،تمثلت بمشهد ولدي العزيز وقد كان أن يموت من شدة خوفه على والده الذي رأه ينهار أمام عينه لأول مرة ويفقد الوعي في وقت كان يعتقد هو أنه يمازحه أو يحاول اخافته لا أكثر ..خاصة وأنه كان يقول في بداية الأمر:
بابا يمزح . .بابا يكذب..بابا يقلد..
قبل أن يفقد مقدرته على مواصلة الحديث ويضطر للخروج -كماقيل لي-مصدوما يهيم باتجاه الشارع العام دون أي خوف من سيارة عابرة أو أي خطر يهدد حياته مع قرب صلاة العشاء،وفي وقت كان يبكي فيه بحرقة شديدة معتقدا أن والده وحبيب قلبه الوحيد بالعالم- كما يحلوا له التعبير عن حبه لي - قد مات عليه، كما عاد بعدها ليخبرني بذلك والدموع تملؤ مقلتيه وبعد ان بللت أولها ملابسه، حينما تمكن شخصين من إعادته الي بالقوة لطمأنته أنني مازلت على قيد الحياة و قبل أن يسترد بعض أنفاسه وهو يسمعني أناديه ليرتمى باحضاني بكل حنية ولهفة طفولية غير معتادة لدى كل من شاهده ولامتوقعة من طفل بسنة وفي لحظة لم يكن ليصدق أن ذلك الحضن الحنون بالنسبة له على الاقل،مايزال فعلا ينبض بالحياة وقادر على احتضانه مرة أخرى..
قلت لنفسي وانا احتضنه بحنان ابوي غير مسبوق والدموع تبلل عيني وعينيه :يالهي كل هذا الحب لي منك يابشار ..وأنا الذي لا ارحم شقاء طفولتك ..كل هذا الخوف علي منك وانت ذلك الطفل العنيد العاصي لوالديه ولايسمع او ينفذ إلا بعد الصراخ أو الضرب..
وهنا كانت صدمتي أكثر من أي غيبوبة مريت بها.ط وانا اسمع شحرجة بكائه مايزال مستمر
ولذلك كان علي أن أطلب له علاجا لتجاوز حالة الخوف والصدمة التي مر بها،بينما اكتفيت بمغذية وحقنتي جلوكوز لإعادة توازن السكر وأخرى لتجاوز بقايا غيبوبة كانت ماتزال تصر على ابقائي أرضا في حالة انفلات جسدي تأثرا بنتائج ماعشتها من حالة مفاجئة تحاوزتها الان والحمد لله بفضل الله تعالى ولمسات أخوية انقاذية عاجلة من أصدقاء أطباء وصيادلة ماهرون وأعزاء كان في مقدمتهم رامي وأبوايهم ومختار وأشرف وهارون وبقية الفريق الانقاذي الاروع في حياتي..فلهم مني جميعا كل ودي وخالص حبي وصادق تقديري وامتناني.
واعتذر بشدة لهم جميعا على ازعاجي المستمر لهم واخافتهم بشكل غير مسبوق على ماجرى لي بين ايديهم فجأة،كما عبروا لي عن ذلك الشعور الأخوي الصادق نتيجة الحب والاحترام المتبادل بيننا. 
وحمد لله على سلامة طفلي الاروع بشار أحلى هدية ربانية منحني الله إياها في حياتي..

#وعدت_الى_الحياة_مجددا

#ماجد_الداعري