أحمد الفراج يكتب:

ترمب والمؤسسات الصلبة!

وقف الرئيس ترمب بين أنصاره، في ولاية أوهايو، وعندما نتحدث عن أوهايو، فنحن نتحدث عن أهم معاقل الطبقة الأمريكية العاملة، أو ما يطلق عليهم «البلو كولار»، وترمب يتألق ويتفاعل، بل حتى ينسى نفسه أحياناً، عندما يكون في حضرة قاعدته الانتخابية، وقد تحدث في هذا اللقاء عن أهمية إعادة بناء البنية التحتية لأمريكا، وهو أمر في غاية الأهمية، وكان ضمن وعوده الانتخابية، وهو حريص على أن يفي بوعوده، ليثبت أنه سياسي مختلف عن الساسة التقليديين، الذين ينسى معظمهم وعوده، فور دخوله للبيت الأبيض.. هذا، ولكن ترمب، وفي خضم حماسه، قال إن أمريكا ستنسحب من سوريا، وتترك أمرها للأطراف الأخرى، وهو هنا يتحدث عن نظام بشار وإيران وتركيا وروسيا، علاوة على التنظيمات الموجودة على الأرض، على اختلاف أيدولوجياتها وارتباطاتها بكل طرف.

عندما صرح ترمب بهذا التصريح المفاجئ بخصوص سوريا، وهي القضية التي تقض مضاجع العالم أجمع، سارعت الخارجية الأمريكية إلى القول بأنها ليس لديها علم بذلك، وهو الأمر الذي حير المراقبين، وأعاد مسألة الخلافات والتناقضات داخل إدارة ترمب، وفي ذات الوقت، صرح مسؤول بوزارة الدفاع، بأن كل التقييمات الإستراتيجية والعسكرية، تشير إلى أن الوقت ليس مناسباً للانسحاب من سوريا، في ظل التحديات الكبرى على الأرض هناك، وضرب مسؤول الدفاع مثلاً على ذلك بوجود أربعمائة مقاتل داعشي، تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من أمريكا، وخطورة انسحاب أمريكا على هذا الوضع، وكذلك مستقبل بشار الأسد، والوجود الروسي، وهذا يعني أن الانسحاب من سوريا، وهو قرار يدخل ضمن صلاحيات الرئيس، سيكون ضد إرادة جنرالات وزارة الدفاع (البنتاقون)!

المثير للاهتمام حقاً، هو أن تصريح ترمب بخصوص الانسحاب من سوريا، جاء بعد ساعات فقط من تصريح المتحدثة باسم وزارة الدفاع، دانا وايت، والتي ذكرت أن هناك الكثير من العمل الهام، الذي يتوجب القيام به، لمواجهة جماعات التطرف والإرهاب في سوريا»! والأهم من كل ذلك، هو تصريحات وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، الذي يؤكّد على أن المهمة في سوريا لا تقتصر على القضاء على داعش، وجماعات الإرهاب الأخرى، بل إن التحدي الأكبر هو فيما بعد ذلك! والسؤال الآن: «هل أن ما صرّح به ترمب بخصوص سوريا كان عبارة عن زلة لسان، في لحظة حماس عابرة، أم أنه أمر ينوي تنفيذه، مهما كان حجم المعارضة لذلك؟!»، وهنا يصعب التصديق بأن دولة مؤسسات عظمى، مثل الولايات المتحدة، يتخذ القرار فيها بهذه الفردية والارتجالية، وبالتالي علينا الانتظار والترقب، حتى يتم التأكد من القرار النهائي بشأن سوريا، خلال الأيام القادمة!

*نقلاً عن الجزيرة

** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.