ورغم أنني أعلم أن الرئيس باراك اوباما يساري النزعة، واستطاع بحكم تأثيره وفصاحته والكاريزما التي يتمتع بها، أن يسحب معه أيديولوجية الحزب الديمقراطي التقليدية من الوسط إلى اليسار، فحزب جون كينيدي وليندون جونسون وبيل كلينتون لم يكن يساريا، إلا أنني تريّثت في الانزلاق مع وصم الحزب الديمقراطي حاليا بأنه أصبح اشتراكي النزعة.
ولكن الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة، بعد مقتل مواطن أسود على يد شرطي أبيض في مدينة منيابولس بولاية مينيسوتا، كشفت الحقائق عارية، لمن يبحث عن الحقيقة، وسط موجات هائلة من الانحياز والانتقائية والتعتيم، سواء من قبل الساسة أو الإعلام.
ومع بداية الحملات التمهيدية للحزب الديمقراطي قبل أشهر، أدرك قادة الحزب أن شعبية حزبهم في خطر، عندما تبين لشرائح لا يستهان بها من الشعب أن أيديولوجية الحزب أصبحت يسارية اشتراكية خالصة، فكان ضحية ذلك هو مرشحهم الأبرز ساندرز، وهو ذو شعبية واسعة، خصوصا لدى شباب الحزب من طلاب الجامعات، فعملوا على تحجيمه، تماما كما حاول الجمهوريون تحجيم دونالد ترامب، أثناء حملات الحزب الجمهوري التمهيدية لانتخابات عام 2016.
ومع أن الجمهوريين فشلوا في تحجيم ترامب حينها ، بحكم قوة شخصيته ونرجسيته وعناده، والشعبية الهائلة التي يتكئ عليها، إلا أن الديمقراطيين نجحوا في تحجيم ساندرز، لأنهم لا يريدون أن يكون مرشحهم للرئاسة ذا توجهات اشتراكية يسارية واضحة، فالشعب الأميركي في مجمله لا تستهويه نزعات اليمين واليسار بل الوسط، ولذا رأينا ساندرز ينسحب من السباق لصالح جو بايدن، السياسي العريق، الذي ينتمي للمؤسسة الرسمية في واشنطن، بل هو أحد أبنائها المخلصين.
كان الديمقراطيون في مأزق، فإما أن يكون مرشحهم يساري ذو شعبية جارفة، أي ساندرز، أو مرشح كسيح عمره 78 عاما يعاني من اعتلالات في وظائف الإدراك، أي بايدن، فاختاروا أهون الشرين، أي ابن المؤسسة بايدن، حتى يبعدوا تهمة اليسارية والاشتراكية عن الحزب.
لكن ذلك لم يستمر طويلا، فبعد مقتل جورج فلويد، دخل الديمقراطيون وإعلامهم المساند لهم على خط المظاهرات، فأصبحوا يرون الأحداث بعين واحدة، وتحولت منصات إعلامية محترمة، مثل قناة "سي إن إن" وجريدة "نيويورك تايمز" إلى أدوات تحريضية، تنفخ في نار الاحتجاجات، وتتجاهل ما يجري من أعمال عنف وتخريب وسرقات، وتتهم الجمهوريين بالعنصرية، وأن ترامب هو سبب كل ما يجري، رغم أن حادثة القتل وقعت في ولاية تنتمي للديمقراطيين وتصوت غالبا لهم، ومعظم مسؤوليها ديمقراطيين.
وتزعمت منصات الإعلام المنحازة حملات ضد كل من لا ينتمي للحزب الديمقراطي، من خلال وصمهم بالعنصرية، وتم تضخيم الاحتجاجات، وتجاهل التخريب المصاحب لها، لدرجة أن هذه المنصات لم تتطرق لمقتل وإصابة رجال شرطة من قبل المحتجين.
وخلاصة الأمر أن الديمقراطيين حجّموا المرشح بيرني ساندرز لإبعاد تهمة الاشتراكية عن الحزب، فجاءت الاحتجاجات لتكشف الحقيقة المروعة، وهي أن الحزب الديمقراطي أصبح رسميا يساري واشتراكي النزعة..