هاني مسهور يكتب لـ(اليوم الثامن)

في مثل هذا اليوم .. سرقوا المناصب

على عَجلّ تم استدعاء خالد بحاح إلى الرياض، كان للتو قد أنهى اجتماعه في مجلس الوزراء في العاصمة المحررة عدن، وصل في الأول من ابريل 2016م بحاح لمقر إقامته المجاور من مقر إقامة الرئيس عبدربه منصور هادي، كانت الأجواء المتوترة ملموسة ولا يمكن تجاهل أن ثمّة شيء يبعث على الريبة، خلفية هذه الأجواء مرتبطة بالتطورات السياسية فلقد حقق جون كيري وزير الخارجية الأمريكي اختراق سياسي في الملف اليمني، تتردد أخبار كيري في مسقط عبر كل الدوائر السياسية، كيري أبلغ ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد أنه انتزع من الحوثيين موافقة على انسحابهم من ما كان يُطلق عليه آنذاك المنطقة (أ) وتسليم السلاح للجنة أمنية محايدة مقابل تسليم نائب الرئيس بحاح صلاحيات رئيس الجمهورية والبدء في العملية الانتقالية السياسية والعودة إلى ما قبل سبتمبر 2014م.

دون غيرهم يعرف اليمنيين كيف يخلطون الأمور ويخرجون من مأزقهم ليفرضوا واقعاً جديداً في الشمال حادثة اغتيال الرئيس الحمدي واحدة من تلك الحوادث الغامضة التي خلقت واقعاً سياسياً مختلفاً، وفي الجنوب تبدو أحداث يناير 1986م نموذجاً آخر، وفي ما بعد الوحدة تبرز حرب صيف 1994م كنموذج صنع واقعاً مختلفاً، فهذه الدراماتيكية السياسية ترتبط بالساسة اليمنيين فعند المنعطفات تبرز أنيابهم الغادرة ولا تكترث بالنتائج بمقدار ما تكترث بتثبيت مواقعها السياسية، تعريضاً هاماً هنا وفي مسيرة عبدربه منصور هادي نفسه حدث أنه تلقى اتصالاً بتحريك (السلحفاة) فنفذ الطلب ودخل عدن على ظهر الدبابات دكها دكاً دكا مُفجراً مخزون هزيمته فيها، والثمن حصل هادي على منصب النائب (المركوز) لسنوات طويلة كان يؤدي مهمته بنجاح وهو الصمت ولاشيء غير الصمت في ظل وجود الزعيم صالح.

الثالث من ابريل 2016م الساعة (5:43) بتوقيت جرينتش حُددت ساعة الصفر، الهدف خالد بحاح الذي كان قد نجا من محاولتي اغتيال في العاصمة المحررة عدن أحدها كانت استهداف فندق القصر وبعد أن غادر الرئيس هادي الفندق بساعات قام تنظيم داعش بالهجوم على بوابة الفندق الذي مازال حتى كتابة هذا المقال مصاباً ومترنحاً ومؤكداً أن ما وراء تلك المحاولة أكبر من مجرد استهداف لقائد تحرير عدن خالد بحاح، فالرجل الذي لم تستطع يد الإرهاب تصفيته جسدياً تم تحديد الوقت والزمان لتصفيته سياسياً، فكانت إقالته من مناصبه السيادية نائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً لوزراء حكومة التوافق الوطني.

ضرب الرئيس هادي كل العشرة عصافير التي كانت على الشجرة أفشل جهود التسوية السياسية بإعلان علي محسن الأحمر نائباً للرئيس بما يعني قتلاً لفكرة نقل سلطات الرئيس لنائبه، وبتعيين بن دغر رئيساً للوزراء يعني تفشياً للفساد الذي وقف ضده بحاح جداراً عالياً، حدثت عملية اغتيال سياسية واسعة في داخل الشرعية، أعتقد الرئيس هادي أنه نجح في تصفية بحاح الذي بعد ستة أيام فقط عاد ليظهر مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وبعدها بساعات استقبله ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في عاصمة الإمارات، تبدو الصورة الآن واضحة تماماً، بحاح لم يقتل جسدياً في عدن، ولم تنجح محاولة تصفيته سياسياً، بحاح بقي لاعباً حُراً في رُقعة الشطرنج اليمنية.

علي محسن الأحمر وعد بأنه سيأتي بقبائل طوق صنعاء ولم تأتي تلك القبائل ولم يعرف على مدار عامين حتى أن يحافظ على مكتسبات بحاح العسكرية، بعد عامين خسر الأحمر مساحات واسعة في جبهتي نهم والجوف، ناهيك عن استشراء الفساد في المؤسسة العسكرية وعدم القدرة على إنشاء جيش يمتلك عقيدة وطنية، وفي الجانب الآخر أحمد بن دغر الذي يُسجل له أنه أسوء رئيس وزراء عرفه اليمن منذ 1962م ففي عهده إنهار الريال اليمني، وتواصل الانهيار الاقتصادي وارتفعت معدلات البطالة واتسعت دائرة الفقر وبات أكثر من ثلثي سكان اليمن مهددين بالمجاعة.

أحمد بن دغر فشل في أهم ملف وهو إعادة عدن كنموذج للمناطق المحررة بقي محبوساً في إرثه القديم عندما كان عضواً في اتحاد الفلاحين زمن الماركسية البائدة في جنوب اليمن، بن دغر مازال يعيش زمن التحشيّد فأغدق على أشباه الصحفيين ليصنعوا من القرد غزالاً، ومن الحمار حصاناً، لم ينجح أحد في ذلك فبقي القرد قرداً والحمار حماراً وفاز أشباه الصحفيين بالأموال والمناصب.

تلازم الفشل مع بن دغر لم يتوقف في تاريخه منذ أن كان عضواً في الجنوب الماركسي ففشل في فتح سفارة أو قنصلية واحدة في عدن، وواصل فشله بتعيينات أقاربه والسماح بتعيين أقارب الوزراء في حكومته حتى وصل بأحد الوزراء أنه عيّن (18 وكيلاً) ووصلت مرتباتهم إلى أكثر من ما هو مقرر في نظام الخدمة المدنية مما أدى إلى تهالك المؤسسات الحكومية وبطبيعة الحال انعكس على المواطنين في الداخل والخارج.

حصل الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر ورئيس الوزراء أحمد بن دغر على شهادة الفشل من خبراء الأمم المتحدة الذي جاء في تقريرهم لعام 2018م وفي الصفحة الأولى من ذلك التقرير أن (الشرعية متآكلة) ومتورطة في الفساد وأن أطراف منها تحولوا إلى تجار حرب ، ورغماً عن ذلك مازالت الشرعية المتآكلة تقدم نفسها أنها ناجحة متجاهلة انعدام الأساسيات من الخدمات في مجالات الكهرباء والصحة والمياة والتعليم عن عدن والمُكلا والمحافظات المحررة وأن المساحة الـ 85% هي مناطق غير قابلة للحياة إنما هي مساحة للاستهلاك الإعلامي بأنها محررة وما لا يُقال عن تلك المناطق أنها جائعة ومحرومة من كل شيء.

ما حدث في الثالث من ابريل 2016م يُمثل انتهاكاً خطيراً للمبادرة الخليجية التي عملت على نقل السلطة السياسية من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى عبدربه منصور هادي وتشكيل حكومة كفاءات وطنية ، أي أن الشرعية هي جناحين تم إسقاط جناح منها ليحدث هذا الفشل السياسي والعسكري والاقتصادي، سرقة المناصب والعبث بالمؤسسات والدستور لتعطيل الأهداف السياسية تُمثلّ بدون شك عمل غير مسئول تجاه اليمن كدولة وكيان سياسي وتجاه الإقليم الذي بدوره يعمل لاستعادة الشرعية وقطع يد التدخلات الإيرانية في اليمن، موقف الشرعية لم يعد يحتمل التأخر أكثر في إصلاحها عبر هيكلتها بما يضمن إنجاز المهام السياسية والعسكرية والاقتصادية الضامنة لاستقرار جنوب الجزيرة العربية.