محمود المداوي يكتب:

لماذا الخوف من ادب الشذرات ؟! ... "تجربة ذاتية"

سئلت ذات مكاشفة مع احد الاصدقاء من الوسط الادبي عن سبب اهتمامي بكتابة الشذرات و حينها كانت المفردة جديدة على قاموسي اللغوي و المعرفي المتواضع و لما احس ذلك الصديق باستغرابي بادرني و قال لي :نعم عزيزي انت تكتب الشذرة حقيقة. كنت اظنه انه يمزح و يريد ان يتسلى معي باي كلام فاجبته على الفور ضاحكا: على رسلك صديقي انني اتسلى مثلك وحسب ..

ثم مضى صديقي يقول لي كلاما كثيرا عن الشذرات الا أني لم اعره ادنى اهتمام...ولا ادري به عن اي شيء هو يتحدث اصلا !. هنا لا اخفيكم سرا اذا قلت انني كنت اهرب من حالات ملل كنت امر بهافتجدني امسك بالورقة والقلم واكتب ما يشبه الخواطر من هنا وهناك وعن. كل شيئ و في كل شيء و كنت كلما قرأت كثيرا للعديد من الادباء شعرا ونثرا كلما تعمقت علاقتي بكتابة هذا النوع الادبي حتى صرت اعرف عنه وفيه ما يجعلني اتمسك به كواحد من انواع الكتابة الصاعدة و التي سيكون ازدهارها على المستوى المحلي مع أجيال ادبية معاصرة وجدت مكانها ايضا في هذا العالم الذي لا استطيع ان اقول عنه الا انه ادب اللحظة و المستقبل اعود وأقول انه وحتى وقت قريب و هنا أقولها بكل شفافية اني لم اكن اعرف شيئا عن هذا النوع الادبي المستجد على الاوساط الادبية. العربية واذكر ان ما من لقاء مع اديب شاعر كان أو ناثرا الا وفاتحته لأعرف منه راية عن هذا النوع من الكتابة و قد وجدت اجابات مرحبة من البعض به ورافضة له من البعض الاخر ولكن ذلك لم يمنعني من الابحار عميقا مع المضي قدما في "خربشاتي تلك أذ انه كان يلازمني احساس ان ما أكتبه لا يشبه الخاطرة الادبية كما عهدناها في الكتابات التي تزخر بها صحفنا المحلية و كثير من الصحف و المجلات العربية التي كنت اطالع فيها هذا النوع من الكتابة الادبية.حتى كانت الصدفة حاضرة معي وكأنه قدر مرسوم ان اشتري مجلة عربية معروفة اطلعت فيها على مقال للأديب والشاعر والناقد العربي. اللبناني الاستاذ عبده وأزن يتحدث عن الشذرات كجنس ادبي ملتبس و يضع سؤالا بارزا على راس مقالته و هو هل يمكن أدراج كتابة الشذرات في خانة ادب الامثال حقيقة استوقفني العنوان و تساؤله ، وبعد القراءة لعدة مرات لذلك المقال عدت الى بعض ما كنت قد كتبته كخواطر و شوارد و تأملات و بشيء من المقاربة بين ما قاله الاستاذ وازن و بين "خربشاتي" فوجدت ضوءا دفعني ان لا اتخلى عن هذا النوع من الكتابة التي للأسف الشديد لم يتطرق لها احد في بلادي وان فعل فيكون ذلك على خجل و استحياء وكأنه الخوف و الفوبيا التي ليس لها مبررا في هكذا كتابة أدبية معترف بها ليس في الوطن العربي بل على مستوى العالم كله. يقول الاستاذ عبده وازن : غالبا مانقرأ في الصحف و المجلات وفي الكتب و الدوواين الشعرية نصوصا قصيرة جدا لا تتخطى في معظم الأحيان السطر الواحد واللافت و الكلام لايزال ل وازن ان بعض الذين يكتبون هذا النوع الملتبس كجنس ادبي ، هم من كبار الشعراء والروائيين العرب .ويذكر على سبيل المثل ادونيس و أنسي الحاج وإبراهيم الكوني. وفي مكان اخر من تلك المقالة يشير الاستاذ عبده وازن الى ان هذا النوع من الكتابة كان قد أدرج ككتابة مختصرة في الغرب تحت عناوين أو اسماء عديدة كالأمثال والشذرات والتوقيعات. وعربيا قد تحقق لي هذا الكلام شخصيا و بعناية تامة عندما تسنى لي الاطلاع على ما كتبه الشاعر اللبناني الراحل انسي الحاج في مختارات مما كتبه في هذا النوع كانت مجلة ادب ونقد المصرية قد افردت له مساحة لايستهان بها في احد اعدادها الذي كرسته لوفاة هذا العلم الكبير و قد اسمى الحاج ديوانه ذلك ان جاز التعبير او لنقل مؤلفه الموسوم بعنوان خواتم. اما الكاتب والباحث العربي السوري جميل حمداوي**** فيقول عن هذا النوع من الكتابة الادبية في مدونته على النت : تستند الكتابة الشذرية ، او الكتابة المقطعية ، او اسلوب النبذة كما عند نيتشه، الى الاقتضاب ، والتكثيف والتبشير، و التركيز، والأرصاد ، والنفورمن التحليل العقلاني المنطقي ، وتفادي الكتابة النسقية..

ويتفق الاديب حمداوي مع ماقالة الاديب وازن كما عرضنا له مؤكدا ان هذه الطريقة في الكتابة تعد خاصية غربية عن ساحتنا الثقافية والإبداعية كما تعودنا عليها لسنوات مضت ،على الرغم من وجودها في تراثنا العربي بشكل من الاشكال ، لاسيما في المنتج الصوفي والعرفاني ، وأيضا في كثير من المصنفات التراثية القائمة على التقطيع والتشذير والاختزال . حقيقة لقد اصبح ادب الشذرات من الفنون الادبية الرائجة في السنوات الأخيرة مؤكدا لجوء كثر من الشعراء على المستويين العربي والعالمي الى هذه الكتابة باعتبارها اكثر الانواع الادبية أمتاعا.

وتسلية كما قلت لصديقي بلى انها تسلية واي تسلية تبلغ بك الى درجات بعيدة من الصفاء والنقاء فأهلا بها تسلية لايدركها إلا من عاش ويعيش بها كتابة وسلوكا. بعد ذلك اجزم انه اذا كان هناك خوف من الدخول في عالم الشذرة فهو خوف مفتعل ولا وجود له في الا في اوهام البعض الجامد من ادعياء الادب.

ومن خواتم انسي الحاج اختم بهذه الشذرات:

أصدق ما في الحب الغيرة ، قاتلته.

& & & & & &

المبغض يعلمك، المحب يجملك.

& & & & & &

من شدة الظل صرت شمسا خضراء. هامش: مجلة دبي الثقافية العدد 109يونيو2014م

**المصدر نفسه

***ادب ونقد العدد337 مارس2014م

****من مادة للكاتب من النت.