مشعل السديري يكتب:
في الحفظ والصون
كنت مقتنعاً ومؤمناً بالمبدأ القائل: «من راقب الناس مات همّاً»، أما الآن وبعد أن تعددت العمليات الإرهابية، وازداد كشفها وإحباطها، صرت أقول: من راقب الناس زاد أمناً.
لهذا؛ تعمل العديد من الدول على زيادة أمنها بشتى الطرق، ومن أبرز هذه الطرق، كاميرات المراقبة؛ الأمر الذي يجعل أي إنسان على الأرض خاضعاً للمراقبة، خصوصاً مع تحسن التكنولوجيا ذات العلاقة وتطورها، مما أصبح تعقب أي شخص تقريباً أمراً سهلاً، حتى منذ لحظة خروجه من منزله، بحيث لم يعد بالإمكان الاختباء أو الهرب من الجهات الأمنية إلا بصعوبة بالغة.
ففي مدينة كلندن مثلاً، تنتشر هناك ملايين كاميرات التصوير، إلى درجة أن الإنسان أول ما يخرج من منزله ويذهب إلى عمله، ثم يعود إلى منزله مرّة أخرى، تكون الكاميرات قد التقطت له في اليوم الواحد عشرات الصور.
حتى في المطارات والمحطات والمستشفيات والفنادق والمدارس، وحتى في السجون، هناك آلاف الكاميرات ترصد كل حركة وكل همسة، بل وترصد أيضاً كل (.....).
وأصدق مثال أن أحد المساجين في أميركا أراد أن يتهم سجانيه بأنهم يعذبونه ويضربونه، واستغلها فرصة في زنزانته المغلقة، وأخذ يلكم وجهه لكمات متواصلة عنيفة، أسالت دماءه وخلخلت أسنانه، وبعدها رفع شكوى ضد الحراس، ونسي المسكين أن الكاميرا قد فضحته بالصوت والصورة، فما كان منهم إلا أن يضاعفوا مدة حبسه مع غرامة مالية، فما نابه غير الخسارة والألم.
وفي الصين وضعوا كاميرات في الحمامات العامة، بعدما لاحظوا الإسراف في استعمال رولات وأوراق النظافة؛ ولكي يحدّوا من ذلك فعلوا هذا، ليعاقبوا كل مسرف - والله معاهم حق.
وهذه تهون عن واقعة أخرى حصلت في مصر، وتحديداً في كلية الصيدلة في الإسكندرية، عندما لاحظ الطلبة والطالبات أن هناك كاميرات شبه مخفيّة تراقبهم، فانتابتهم حالات من الغضب، وعبّروا عن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل صداها إلى المسؤولين.
غير أن ما أثار إعجابي هو الرد المنطقي والإنساني المقنع لعميدة الكلية، الدكتورة خديجة عندما قالت:
يجب على الطلبة والطالبات ألا يقلقوا، فالشاشة الخاصة بالكاميرات هي موجودة فقط في مكتبي، ولا يطلّع عليها أحد غيري، وهي كلها «في الحفظ والصون»!
أما الذي أؤيده حقاً في تجسسه فهو كريس ايرلي الأميركي، الذي يستخدم طائرة صغيرة من دون طيّار، لمراقبة ابنته (8 سنوات) وهي ذاهبة للمدرسة وعائدة منها، ويقول مبرراً:
إن الهدف من عملي هذا ليس مراقبة ابنتي كيتي، وإنما لكي أبعث بداخلها الطمأنينة، بأن والدها معها في كل مكان.