مروان هائل يكتب:

سوق الدراسات العليا في جامعة عدن      

مع ظهور الإنترنت , تغيرت حياة الناس كثيراً و في الوقت الحاضر ليست هناك حاجة لقضاء الكثير من الوقت في البحث عن الكتب و المعلومات الضرورية , إذ أصبح بإمكانية المرء الوصول إلى بحر من المعلومات سريعا عبر الانترنيت , مما يتيح له اكتساب المعرفة واستخدامها وفقًا لتقديره الخاص , لكن الشخص الذي يشارك المعلومات أو المعرفة على الإنترنت لا يتمتع بالحماية ضد النسخ والتوزيع غير القانونيين , وتصبح المعلومات , التي يتم الحصول عليها عبر الإنترنت عامة و مسألة مراعاة حقوق الطبع والنشر إلى اليوم هذا بدون حل رغم تعدد قوانين حماية الحقوق الفكرية وصرامة بعضها .

جامعة عدن منذ وقت طويل تعاني من تحولها إلى مصنع جمله لصرف شهادات الدكتوراه والماجستير وتخريج دُفعات من محبي حمل الشهادة العلمية العليا والرؤوس خاوية , لان الهدف الأساسي لهم ليس العلم والتطوير , وإنما الوجاهة أو زيادة الراتب , وللأسف بعضالعلمي المدرسين و المشرفين الأكاديميين ساهموا في نشر هذه الظاهرة السلبية والخطرة في نفس الوقت , و السبب تفشي مفهوم الانتحال ( plagiarism ) , يعني بالمفتوح هو نسخ عمل شخص أخر رسالة تخرج أو أطروحة سواء عن قصد أو عن غير قصد وإعادة صياغة وتلخيص ذلك العمل العلمي بأي شكل من الأشكال دون تأكيد من خلال الإشارة إلى المصادر وعرضه كعمل خاص به , وهذه الطريقة مزدهرة في جامعة عدن وتخرج عبرها عدد من الطلبة من حملة الدكتوراه والماجستير و الغريب أن اغلبهم ينافسون اينشتاين ذاته بحصولهم على درجات الامتياز مع مرتبة الشرف , وتسأل نفسك كيف يحصل ذلك ومن أين لهم هذه العبقرية المشتركة ؟ وكيف يقدر الأكاديمي أن يشرف على هذا الكم الكبير من الرسائل والأطروحات للخريجين ؟ ومن أين يحصل هذا الأستاذ على الوقت الكافي للقراءة والتصحيح والتعديل ؟ .

جامعة عدن بعد الوحدة تعرضت و بطريقة ممنهجه إلى عملية كسر لمصداقيتها في الشأن العلمي والأكاديمي عبر تفريغها من كادرها النزيه وحشوها ببعض السماسرة من حملة الشهادات العليا , الذين مارسوا التزوير والسرقة العلمية (الانتحال ) علنا مع بعض ألطلبه ودخلوا في سباق محموم وتنافس مع أعضاء هيئة التدريس بالجامعة للإشراف على الرسائل العلمية , حتى وان كانت ليست على علاقة بتخصصاتهم أو حتى مسروقة , فالمهم هو حصولهم السريع على الترقية العلمية والمكافأة من عملية الأشراف , مع انه من المعروف و المفترض أن تكون درجة الالتزام والانضباط أعلى بين الأكاديميين كونهم يمثلون نخبة تعليمية , إلا أن الأعمال و ألأطروحات الكتابية الزائفة المنتشرة وإرباحها أعمتهم وأفرزت مجموعة انتحال في كليات جامعة عدن, التي تتجنب إدارتها الحديث عن ذلك , بسبب قوة الرؤوس المشاركة فيها وارتباط المصالح والفوائد , فالمجموعة تم إنشاؤها بواسطة المجالس والأوساط الفردية المغلقة ذات الأغلبية الأكاديمية وبطرق الاتفاق المسبق, مع أن بعض الأكاديميين والمدرسين العاملين في الجامعة من حملة الشهادات العليا ويعملون كمشرفين أكاديميين هم في المقام الأول بحاجة إلى إعادة تقييم وفحص للأطروحات والشهادات العلمية التي يحملونها , فالبعض منهم خريجين قدرة قادر و يعتمدون على مبدءا ( شيلني وأشيلك ) في سياسة عملهم (التدريس والامتحانات ) , و حتى في انتحال الأطروحات لطلبتهم , متناسين عن جهل أن طريق التطوير والبحث المعرفي الحقيقي والالتزام بأخلاقيات ومعايير البحث العلمي ترفع من شأنهم , وان التطوير يبدأ منهم و من داخل الجامعات و مؤسساتها البحثية , التي تتفرع إلى مراكز أساسية أولها الإنساني وهو الأهم ثم مركز الأنظمة والقوانين الحاكمة للوظائف الأكاديمية على مستوى التوظيف و الإشراف ونيل الدرجات والترقية, لكن المشكلة أن نظام التوظيف والترقيات في الجامعة وقبول المعيدين هو من يرفع سقف التزوير العلمي وانتشار الانتحال العلمي , ففي الجامعة الواسطة والرشى والمحسوبية تجعلك موظف درجه أولى ويمكن أن تجعلك معيد بلمح البصر , حتى وان كنت ميح خبرة في انتهاك صارخ للأمانة العلمية لتُخرج الجامعه بعد ذلك جحافل من الجهلة ممن يحملون لقب دكتور وأستاذ البعض منهم يعود عبر بوابة الواسطة والرشى من جديد إلى الجامعة للعمل في التدريس وتخيلوا من يتخرج على يد هذا الجاهل وبعدها كما يقول المثل العدني يا زعيمة جري "الصمبوق".

من حق جامعة عدن أن تبحث عن مكان متقدم لاسمها في التصنيف التعليمي العالمي فمكانتها التاريخية والتربوية والتعليمية في غنى عن التعريف , لكن للأسف مع أوضاع البلاد الأخيرة أصبحت هذه الجامعة تعاني من بؤر فساد واضحة وخطرة و قبل معالجة تلك الأوضاع , التي تتواضع أمامها كلمة انتحال , على الفرد منا أن يتصور أن مجموع الإنفاق على التزوير والنثريات يتجاوز الإنفاق على التطوير العلمي , وهي دعوة أوجهه إلى رئاسة جامعة عدن لوقف هذا الانحدار الذي بسببه تتدفق الأضرار التي تحيق بالعملية التعليمية وبسمعة جامعة عدن محلياً ودولياً , واقترح إصدار دورية متخصصة في نشر كل المخالفات والفساد , التي تقع في وسط الكادر التعليمي والطلبة في الجامعة وللحد بدرجة أولى من انتشار السلوك الغير امين في الكليات وعلى رأسها الانتحال العلمي ( plagiarism ) , وكذلك تعزيز الرقابة و الفحص على جودة الرسائل والأطروحات العلمية في جميع مراحلها و أولها في مكاتبات و أقسام كليات الجامعة , واضعف الإيمان النظر في محركات البحث على الإنترنت عبر إدخال جزء صغير من نص الرسالة أو الأطروحة للكشف عن الانتحال و اعتماد الشفافية في السياسة التعليمية , فالشفافية , تعني الوضوح والأمانة والانفتاح والدقة والانضباط والاهتمام بالأصالة , إذ تُظهر التجربة الدولية أن المعركة من أجل شفافية الجامعات مستمرة في العديد من البلدان , بغض النظر عن مدى تطور الجامعة وتاريخها العلمي .

لا أريد هنا أن أقلل من أهمية جامعة عدن وكادرها من الموظفين و الأكاديميين ,الذين البعض منهم   حتى يومنا هذا لازال يستحق أن نحني هاماتنا أمامهم احتراما وحبا وتقديرا , لكن سمعة قطاع التعليم تعطيك صورة حسنة عن حالة البلد والمسؤولية الوطنية و العلمية والأخلاقية لإدارة الجامعة تتطلب الحرص على ذلك , والبداية من إنشاء نظام اليكتروني لمكافحة الانتحال يشمل التدابير التنظيمية والمنهجية للرصد المستمر لجميع أنواع أعمال الطلاب وإصدارتهم العام , وكذلك نظم نشر مفتوحة تسمح للطلاب للتفاعل على أساس الاهتمامات البحثية المماثلة وموضوعات العمل , و كذلك التشديد حتى في عملية التوظيف , التي لابد أن تعتمد على منهج الجودة من خلال إنشاء امتحانات قبول لجميع التخصصات تكون شرطًا لشغل الوظائف الأكاديمية و كذلك إعادة تقييم نظام الترقيات في الجامعة فهو في كثير من الأحيان يقود إلى التزوير العلمي , لان العمل الجامعي مكون من جزئيين: التدريس والبحث العلمي , و لكن من غير المفهوم لماذا الجامعة تركز في الترقية الوظيفية على البحث العلمي ولا تركز على سبب زيادة عدد الملتحقين في برامج الدراسات العليا للجامعة .