مشعل السديري يكتب:
بعض حلاوات «الخلافة»
ذهبت الخلافة بحلّوها ومرّها إلى غير رجعة، بعد أن جثمت على صدور الشعوب عدة قرون سوداء، وإذا كان فيها بعض الحلاوة فمرارتها العلقميّة أكثر منها بمراحل.
والذي دعاني إلى الخوض في هذا الموضوع الموحل هي مكالمة تلفونية جرت بيني وبين أستاذنا الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، حيث يكلمني من رياض وادي حنيفة، وأنا أكلمه من جدة ساحل أبحر.
تطرق معي إلى عادات وتقاليد يومية اجتماعية لا بأس بها، كانت تجري في دولة بني عثمان، وسمعتها منه لأول مرة، منها مثلاً:
عادة أن يقدم أصحاب الدار لضيفهم القهوة مع الماء، فإذا شرب الماء فقط عرفوا أنه جائع فيطعموه، أما إذا شرب القهوة فمعنى ذلك أنه شبعان.
كما أن باب الدار له مطرقتان، فإذا ضربت المطرقة الكبيرة عرفوا أنه رجل فيفتح له الرجال، وإذا ضربت المطرقة الصغيرة عرفوا أنها امرأة، فتفتح لها ربة الدار، ويا دار ما دخلك شر.
وإذا كان في الدار أحد المرضى، علقوا على الباب وردة صفراء، ليتجنب كل من كان في الشارع الضوضاء والإزعاج، وإذا وضعوا وردة حمراء، عرفوا أن في الدار شابة وصلت لسن الزواج، ليتقدم لها من كان «صنيان» وفي رأسه حب لم ينطحن بعد.
وكان مُأذنو المساجد السلطانية الكبرى في إسطنبول والولايات العثمانية الأخرى يرفعون أذان كل صلاة بمقام مختلف عن الآخر، فكانوا مثلاً يرفعون أذان الفجر بمقام الصبا، وهو مقام الحزن والخشوع، وأذان الظهر يرفعونه بمقام «الرست»، وهو مقام الاستقامة، وأذان العصر يرفعونه بمقام الحجاز، وهو مقام الشوق والحنين إلى الديار المقدسة، وأذان المغرب يرفعونه بمقام السيكا (البنجكاء)، ويعني التفكير والتأمل في ملكوت الله، وأذان العشاء يرفعون على مقام يشبه مقام البيات، وهو بالتالي مقام الفرح والأنس والراحة.
أما أهل العروس إذا تقدم أحدهم يخطب بنتهم، فأول ما ينظرون له هو بنطلونه وجبهته، ليرصدوا علامات السجود على هاتين النقطتين، ومن حسن حظي أنني لم أكن موجوداً في ذلك الزمن، لأنني أجزم يقيناً أنه لن يقبلني أحد لكي أكون عريساً، لسبب بسيط لأنني أول ما أحافظ عليه هي «شياكتي».
أما التقليد الذي أكبرته فهو أن الأغنياء كانوا يذهبون إلى أماكن بيع الأغذية، فإذا عرفوا أن فقيراً عليه دين، سددوه كصدقة دون أن يذكروا أسماءهم، وذلك لكي لا يشعروا الفقير بمنتهم عليه.
هذه بعض الحلاوات، أما عن المرارات التي يشيب لها الولدان فحدث ولا حرج، وسوف يأتي وقتها فيما بعد لنفتح الباب على مصراعيه «ولا عزاء للأخوّنج».