فاروق يوسف يكتب:

من أجل جمال مؤلم

يحتاج المرء أن يكون جراحا ناجحا لكي يكون رساما بمستوى ونوع علاء بشير، الرسام العراقي الذي اهتدى إلى مواقع، كانت النفس البشرية في أمس الحاجة إلى الكشف عنها، هو في الحقيقة ما يفعل باحث عن جمال مختلف لا يقع في متناول النظر المباشر.

ما تطرحه رسوم بشير من أسئلة لا يعدنا بشيء من المتعة البصرية بقدر ما يحثنا على توخي الحذر لئلا يفلت منا مقطع من الفكرة، وهي فكرة لن تكون سارة، ذلك لأنها تتعلق بالألم.

وكما يبدو فإن الجراح الذي يبدو محايدا وهو يقوم بعمله قد سمح للرسام في أن يحرّره من حياده المهني، وهو ما شكل عنصر إغراء لعلاء بشير من أجل الغوص عميقا في تحليل الأسئلة التي ينطوي عليها الألم البشري.

لا شيء من الوصف يمكنه أن يكون معادلا لتلك الفكرة، فالفنان وقد تخلّى عن حياده هو في حقيقته محارب يعرف أنه يخوض حربا خاسرة، غير أنه في الوقت نفسه يتخطّى واجبه ليقول شيئا مختلفا ومفاجئا، وهو ما يمكن اختصاره في أن الألم ينطوي هو الآخر على جماله الخاص وهو جمال عذري.

صحيح أن رسوم علاء بشير لا تدعو إلى الراحة أو الطمأنينة ولا تبشّر بأمل كاذب ولا تغمر العين بلذة بصرية مؤقتة، غير أنها تذهب إلى الأعماق البشرية بثقل حمولتها من التكهنات التي تتعلّق بالمصير، فنحن نتألم من أجل أن يحمل الألم في حد ذاته درجة من المعنى الذي تنطوي عليه فكرة أننا لا نزال أحياء.

يبدو بشير عقلانيا في سرياليته غير أن سرياليته تؤسّس لواقع مؤجّل يتمنى المرء لو أنه بقي في حدود الخيال، وكما أرى فإن علاء بشير الذي اختبر الألم البشري في مختلف تجلياته كان قادرا على إزاحة الجدار التجريدي الذي يفصل بين الإنسان وعبث وجوده، وهو ما لا يتحمّل التزيين، من أجل جمال فان رسم علاء بشير أجمل لوحاته.