فاروق يوسف يكتب:

"آن لإيران أن تريح وتستريح": هل حان وقت التهدئة والاستقرار؟

لم ترحب إسرائيل بقرار تنصيب الشيخ نعيم قاسم أمينا عاما لحزب الله. كان عليها أن تفعل ذلك. ولكنها في حالة حرب مع الحزب الذي لا يمكن ان ترحب بقيادته الجديدة.

طبعا لا يمكن إنكار أن ذلك كان قرارا أضطرت إيران إلى اتخاذه بعد أن تأكد لها أن إسرائيل ماضية في تصفية أية قيادة جديدة تنتمي إلى الجناح المتشدد.

نعيم قاسم الذي كان نائبا دائما للأمين العام منذ تأسيس الحزب لم يكن بالنسبة لإيران رجل الظل. غير أن ارتباطه بتاريخ الحزب جعل منه رجل مرحلة قد لا يحين زمنها في ظل تمكن العسكر من إدارة شؤون الحزب.

ما لم تفكر فيه إيران أنه سيأتي يوم لا يملك حزبها في لبنان سوى أن يتحول إلى العمل السياسي متخليا عن سلاحه. ذلك يعني نهاية هيمنتها على لبنان.

ولكن ذلك اليوم أتى فصارت الحاجة إلى الشيخ نعيم قاسم ضرورة ملحة وإلا ستستمر إسرائيل في تصفية قواعد الحزب وضرب مخازن أسلحته المنتشرة بين أحياء المدن ذات الأغلبية الشيعية وهو ما لا ينسجم مع رؤية إيران الجديدة لعلاقتها بالغرب ومن خلاله علاقتها بإسرائيل.

نعيم قاسم هو رجل المرحلة القادمة التي لن تكون إيرانية خالصة مثلما كانت في عهد حسن نصرالله. فالرجل وإن لم يعلن اختلافه مع إيران في مشروعها التوسعي فإنه في المقابل لم يكن من رافعي شعاراته أو المتحمسين له.

قاسم هو رجل مرحلة لن تكون إيران سيدتها. بل صار عليها أن تقدم تنازلات كثيرة بدلا من محاولتها سرقة الوقت. ما كانت تفعله بالأمس لن ينفع اليوم.

صار الأهم بالنسبة لإيران أن لا يُمحى حزب الله من الخريطة السياسية اللبنانية ويظل موجودا لتظل من خلاله موجودة ولو بطريقة رمزية. وهي الطريقة التي تُشعرها بأنها لم تخسر كل شيء. وإن كان ذلك مجرد وهم.

غير أن ذلك كله لا يعني أنها انسحبت عسكريا من لبنان. ستظل هناك إلى أن تتأكد من أولا أن لا تخرج من الحرب بسلة فارغة وثانيا أن تحصل على ضمانات من أن إسرائيل لن تهاجمها في المستقبل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما حدث مرات ومرات.

بغض النظر عن اضطرارها لتعيين الشيخ قاسم أمينا عاما جديدا للحزب فإنها اضطرت أيضا إلى إدارة الحرب على الأرض من خلال عسكرييها بعد أن فقد الحزب معظم قياداته العسكرية. ولأنها تدرك جيدا أن كل التسويات المعروضة من غير استثناء تهدف إلى استبعادها فإنها تصر على دعم الحزب في حربه لئلا ينهار كل شيء. 

تأمل إيران من خلال تعيين الشيخ نعيم قاسم إلى أن تظهر نوعا من المرونة لتبدو كما لو أنها مستعدة لفتح صفحة جديدة فيما إذا تم النظر إلى ما تفكر فيه بعين الإعتبار. في الوقت نفسه فإنها في ظل تلك المزايدة تسعى إلى تأكيد أنها لا تزال قادرة على لعب دور قوي في الأحداث التي تعصف بالمنطقة.

تعرف إيران أن سلاما حقيقيا لن يشهده لبنان وقد باتت حربه منفصلة من وجهة النظر الأميركية عن الحرب في غزة إلا بعد دخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض. صورة ذلك السلام ستكون مختلفة بين هاريس وترامب. وفي الوقت نفسه فإن إيران تدرك أن ذلك الاختلاف قد يضيق أو يتلاشى إذا ما قررت إسرائيل أن تفرض حلها القائم على نزع سلاح حزب الله. ذلك ما لا تستطيع الإدارة الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية معارضته. وقد تبدو إيران غير معنية بالأمر إذا ما كان أحد البنود السرية في التسوية يأخذ بنظر الاعتبار مصالحها في المنطقة.

ليس من المستبعد أن تدفع إيران إلى التصعيد بعد أن صار جليا أن حرب لبنان هي حربها. ولكن ما تبقى من قدرات حزب الله وهو ليس بالقليل لن يغير شيئا في المعادلة. غير أن ما يجعلها مستميتة في محاولتها الدفع بحزب الله إلى مزيد من الانتحار انما يكمن في إدراكها أن الجيش اللبناني لن يتمكن من ضبط حركة مقاتلي ذلك الحزب مثلما تأمل الولايات المتحدة وهي الراعية لمفاوضات وقف إطلاق النار ومن ثم إنهاء الحرب.

سيكون الشيخ نعيم قاسم نافعا لإيران لكي تغادر بشرف. لم تكن المقاومة فرضا وطنيا. دفع لبنان بقسوة ثمنا باهظا لما ليس له فيه ذنب ولا مصلحة. ما فرضته إيران على لبنان كان أكبر من طاقته لذلك آن لها أن تريح وتستريح.