مشعل السديري يكتب:

لا تشرب (التتن) يا لمملوح

ليس هناك اكتشاف في تاريخ البشرية أسوأ من اكتشاف التبغ ووقوع الإنسان في حبائله.
ومع اكتشاف كريستوفر كولومبوس لقارة أميركا عرف العالم التبغ عن طريقه، حيث أهداه السكان الأصليون التبغ، وبعد فترة جلبه البحارة معهم وهم عائدون إلى قارة أوروبا، ومنذ ذلك الوقت بدأ في الانتشار بأوروبا.
هناك محاصيل كثيرة لم يعرفها العالم القديم قبل اكتشاف قارة أميركا، ومنها مثلاً الطماطم والبطاطس والتبغ، وإذا كانت الطماطم قد حسنت الذائقة الغذائية، والبطاطس قد أنقذت الملايين من الموت جوعاً في أوروبا خلال بعض الحقب التاريخية المظلمة، إلا أن التبغ كان وبالاً على البشريّة، وهو ينطبق عليه المثل القائل: (لا وجه في مقعد، ولا حضن في مرقد)، وإنما هو مجرد تنفيخ دخان يطير في الهواء كالعفاريت.
وكان تعاطيه في البداية بواسطة (الغليون)، وتطور إلى استعمال (الأرجيلة).
وفي عام 1847 بدأ شخص اسمه فيليب موريس في بيع السجائر التركية التي تلف باليد، وبدأت السجائر بعدها في الانتشار عندما أحضرها الجنود العائدون إلى إنجلترا معهم تقليداً للجنود الروس والأتراك.
ويعتبر التبغ حسب الإحصائيات الأخيرة القاتل الأول في العالم، وأوضحت دراسات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل شخصاً كل 6 ثوانٍ في العالم، أي نحو 5 ملايين شخص سنوياً.
وحسناً فعلت الجهات المختصة عندما ضاعفت أسعاره في السعودية، لأنه بعد ذلك ارتفعت نسبة الإقلاع عن التدخين في المملكة إلى (31 في المائة) خلال العام الماضي.
ولتعرفوا مدى الكارثة، ففي دولة كمصر وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هناك، فإن (21 في المائة) من المصريين الذين هم فوق الـ(15) سنه يدخنون، إذ إن الاستهلاك هناك وصل إلى (82) مليار سيجارة سنوياً.... تخيّلوا (!!)
ولا أنسى أغنية للمطرب محمد عبد الوهاب كان يترنم بها قائلاً: (الدنيا سيجارة...)، ولأن لحنها جميل كنت أرددها معه أحياناً بكل هبل دون أن أفقه معناها الخائب.
وفي الجزيرة العربية قديماً حيث لا إمكانيات هناك لصناعة الغلايين، فقد جعلوا العظام بدائل عنها، ولتوثيق ذلك ها هو الشاعر البدوي يقول: والله يا لو لا العظم يوم أني أملاه/ أكويه بالجمرة ويكوي جروحي.
غير أن شاعراً أكثر رزانة منه ينصح محبوبته المدخنة قائلاً: لا تشرب (التتن) يا لمملوح/ يخرب ثناياك يا الغالي - (التتن) تعني السجائر - 
ولا شك أن ذلك الشاعر هو أبرك من شاعر آخر متهتّك، حيث يتمنى ويقول: يا ليتني في فم حبيبي (سكاره)/ يمزّني بين الشفتين وأمزّه
يا لها من أمنية بائسة، وأكثر بؤساً منها الشاعر تمناها.