سلمان الدوسري يكتب:

الانسحاب من «الاتفاق» يقلل من فرص الحرب

الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان يرى أن «إيران بلد معقد مثلنا تماماً»، أما خَلَفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب فيرى في النظام الإيراني «مصدراً للشر»، ووفقاً لهذا فقد ثبت عملياً أن الرئيس السابق كان على خطأ، فقد انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، بعد ثلاث سنوات كاملة وضح خلالها بالوقائع والأدلة والبراهين أن استمرار الاتفاق يعني أن المنطقة تسير نحو حرب قادمة لا محالة، وعندما نقول إنها خطوة مبررة ومفهومة ومنطقية، ليس لأنه بهكذا كانت تنادي السعودية، أو لأن انهيار الاتفاق يصب في مصلحتها، ولا لأنه من الضروري الوقوف في وجه الشر وعدم مكافأة المعتدي، بل لأن الانسحاب الأميركي وعودة العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني سيقللان من فرص اندلاع حرب في المنطقة، بعد أن واصلت إيران استغلال الثغرات الهائلة في الاتفاق لتصدير ثورتها وإطلاق صواريخها الباليستية وتمويل ميليشياتها.
بالطبع لا أحد يرغب في زيادة منسوب التوتر في المنطقة، وليس من مصلحة أحد أن تكون دول الخليج العربي على حافة حرب قادمة، إلا أن المحافظة على الاتفاق النووي وحدها ما كانت ستفعل ذلك.

مثلاً لم تُستهدف السعودية بنحو 135 صاروخاً باليستياً إيرانياً تطلقها ميليشيا الحوثي إلا بعد أن رُفعت العقوبات عن إيران بصفقة نووية سيئة. إذن التوقعات خابت بأن النظام سيغيّر سلوكه، وهو الأمر الذي لا يزال يراهن عليه الأوروبيون ويجادلون بأن ترمب أعلن انسحاب بلاده، وفي نفس الوقت لم يعلن عن استراتيجية بديلة لمواجهة إيران. الحقيقة إن أفضل مواجهة لمحاصرة إيران، إيقاف النبع الذي سمح لها بالتغول في المنطقة، وهو بالتأكيد الاتفاق الكارثي الذي غض النظر عن كل سلوكيات طهران وعربدتها، وعندما تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ذهبت 150 مليار دولار لتمويل نشاطات الحرس الثوري.

فأيُّ عالم أصبح أكثر أمناً واستقراراً بعد ذلك الاتفاق المشؤوم؟!
يمكن القول إن العقوبات الاقتصادية القاسية التي ستُفرض على النظام الإيراني، ستكون الحد الأدنى من استراتيجية تمنع طهران من الوصول بالمنطقة إلى حافة حرب، بعد أن فشلت سياسة الجزرة ولم تُجدِ نفعاً، كما لم يستفد الشعب الإيراني إطلاقاً على مدى ثلاث سنوات من رفع العقوبات، ومن 150 مليار دولار كان يمكن أن تؤكد معها إيران أنها استغلتها لمصالح شعبها، لذلك على طهران أن تستعد جيداً لأيام صعبة عليها وعلى اقتصادها، فالولايات المتحدة تراهن على أن كثيراً من الشركات ذات العلاقة التجارية مع إيران ستحاول تفادي خطر الدخول في مصادمة مع الولايات المتحدة، حتى الشركات والبنوك في روسيا ستكون حذرة لأنها لا تريد الدخول في معركة مع الولايات المتحدة، وقد بدأ ذلك فعلاً بعد أن قال وزير الخزانة الأميركي إنه من المقرر إلغاء التراخيص الممنوحة لشركتي «بوينغ» و«إيرباص» لبيع طائرات ركاب إلى إيران بعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، ونحن نتحدث هنا عن صفقة واحدة فقط تتضمن 200 طائرة ركاب من بينها 100 طائرة من «إيرباص» و80 من «بوينغ» إلى جانب 20 طائرة من «إيه تي آر» الفرنسية الإيطالية لصناعة المحركات المروحية، باعتبار أن جميع الصفقات تتوقف على التراخيص الأميركية، نظراً إلى الاستخدام الكثيف للمكونات الأميركية في الطائرات التجارية.

أما في ما يتعلق بتصدير إيران للنفط، وهو الجانب الأهم، فإن العقوبات ستقلصها بمقدار الثلث تقريباً، وهو ما يعد كارثة حقيقية على الاقتصاد الإيراني، صحيح أن الصين والهند وكوريا أكبر مستوردين للنفط الإيراني، إلا أن واشنطن حذّرت بالقول إنها ستقوم بملاحقة الدول التي ستستمر علاقاتها التجارية مع إيران، ولا بد من عدم الاستهانة بما قاله ترمب: «سنستعيد أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية.

وأيُّ دولة تدعم إيران في بناء الأسلحة النووية ستُفرض عليها عقوبات أيضاً».
قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، كانت المنطقة أشبه ببرميل بارود جاهز للانفجار من أدنى شرارة، والشرارة المشؤومة ربما تتأخر قليلاً، لكن لا أحد يضمن أنها ليست قادمة للاشتعال في أي لحظة، أما مع تصحيح الخلل في ذلك الاتفاق الأعرج، حتى وترمب يخيّر إيران بين التفاوض مجدداً أو «شيء ما سيحدث»، فمستقبل المنطقة وإنْ مرَّ ببعض العراقيل والتوتر، فهو بلا شك أفضل بكثير من انتظار انفجار برميل البارود وحدوث الكارثة.