مشعل السديري يكتب:
من هو الأشجع؟!
منذ أن كنت طفلاً صغيراً وأنا أخاف من الظلام حتى يومنا هذا، وعانيت أكثر ما عانيت عندما ألحقتني أسرتي بمدرسة داخلية، حيث يطفئون علينا الأنوار كل ليلة، وأظل ساهراً أحسد زملائي على نومهم وشخيرهم وشجاعتهم، وانعكس هذا على صحتي ونشاطي وتحصيلي الدراسي، وما أكثر ما أكلت على رأسي من أساتذتي عندما كنت أعوض سهري بالنوم في الفصل، إلى درجة أنهم عرضوا حالتي التعيسة هذه على أحد الأطباء، وكان تقريره يتلخص بكلمتين وهو: إنني مصاب بالوسواس القهري، وإلى الآن لا أعلم ما هو ذلك الوسواس؟! إلاّ إذا كانوا يقصدون أنها العفاريت التي تتكالب عليَّ في الظلام.
وأكثر ما كان يضايقني ويرعبني هو عندما نذهب في الإجازات إلى البر، ونقضي عدّة أيام في الخيام، وفي تلك الأيام لم يكن عندنا غير (الأتاريك) - وهي لمن لا يعرفها، الوسيلة الوحيدة للإضاءة - وما أن يصلّي القوم صلاة العشاء حتى يطفئوها، استعداداً للنوم والاستيقاظ لصلاة الفجر.
وقد سبب لي عقدة لن أنساها أحد الرجال الكبار، عندما كان يشاهد ارتجافاتي بعد أن تطفأ الأتاريك، ويضحك قائلاً لي بأعلى صوته: (اخس يا الدجاجة)، ومن يومها أصبحت أتعاطف مع كل الدجاجات وأتحرج من أكل لحمها وكأنهن أخواتي.
والذي دعاني اليوم لهذا الاعتراف المخجل، هو ما قرأته عن امرأة مصرية طلبت الخلع من زوجها، بسبب عذر تافه وهو: أن زوجها يخاف من الظلام؟!
وقالت (فض فوها) أمام القاضي: بدأت أرى حقيقة مرضه، حينما علمت أنه يخاف من الظلام، فعندما أطفئ النور تقوم الدنيا ولا تقعد ويضربني بقسوة، حتى وصل الأمر إلى شرائه أكثر من مولد كهربائي أثناء أزمة انقطاع الكهرباء في منطقتنا، وانتهت القضية بالخلع.
بالنسبة لي الحمد لله أن الحالة لم تصل بيني وبين أهلي إلى مرحلة طلب الخلع مثلاً، ولكنها وصلت إلى نومي طوال حياتي وحيداً، في غرفة لا تنطفئ أنوارها مهما كان.
ولا أدري من هو أشجع من الآخر هل هو أنا وزميلي الزوج المخلوع، أم هو رئيس وزراء كندا؟! وذلك عندما داهم رجل مسلح قاعة اجتماعاتهم، فما كان من الرئيس إلا أن يطلق ساقيه للريح ويقبع داخل خزانة خشبية ويغلقها عليه.
وسيطر الحرّاس على الرجل المسلح، وأخذ الجميع يبحثون عن الرئيس في كل مكان من المقر الحكومي، بل إنهم انطلقوا إلى الشارع يبحثون عنه دون جدوى.
وبعد أكثر من ساعة خرج لهم وبدلته مبللة، وأول ما فعله هو أن ذهب إلى دورة المياه ركضاً.