مشعل السديري يكتب:
لا صاقعة ولا باقعة
بعد أن فرضت الصلاة، أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأذانين لصلاة الفجر في الأشهر العادية. أما بالنسبة لرمضان، فقال عز من قائل: إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا، حتى ينادي ابن أم مكتوم، وبعدها أمسكوا.
أما استحداث جملة (الصلاة خير من النوم)، فقد أدخلوها على الأذان الفاطميون عندما حكموا مصر، ومن ثم زادوا عليها إخواننا أهل مصر بتقليد لطيف، وهو أن يطوف (المسحراتي) في الأزقة والحواري، وبيده الطبلة والعصا، موقظاً أصحاب المنازل ومنادياً عليهم بالأسماء، بعبارات: «الصلاة خير من النوم، (اصحَ) يا نايم وحد الدائم»... وهكذا.
إلا أن مسحرّاتياً (مودرن) في هذه الأيام، عرف أن شريحة غير صغيرة من المجتمع أصبحت لا تنام، وأصبحت، والعياذ بالله، منشغلة عن العبادة بوسائل التواصل الاجتماعي، فأخذ أخونا بالله يقرع طبلته قائلاً: الصلاة خير من (الفيسبوك)، أو خير من (الواتس أ-ب)، أو خير من الـ(تويتر).
وتقدم بعض الأهالي بشكوى ضده، ولا أعلم هل شكواهم تلك كانت بسبب تنغيصه عليهم باندماجهم، أم بسبب خرقه عادة هم تعودوها؟!
من وجهة نظري، فالصلاة بالتأكيد خير من النوم، وهي كذلك خير بمراحل من الإمساك بالجوالات، والتنقل بين موقع وآخر، وصورة وأخرى، ونكتة وأخرى، وإشاعة وأخرى، وخطيئة وأخرى.
إذن فالذي يدعو إلى ترك الجوالات وعدم الإغراق فيها، هو أكثر صدقاً وفاعلية، ممن يدعو فقط إلى الاستيقاظ من النوم، فالنائم على الأقل (كافي الناس خيره وشره)، غير أن المدمن على (التواصلات الاجتماعية) إنما هو كمن يعزف على أوتار شيطانية.
وقبل أن أنسى، وبما أننا في هذا الشهر الفضيل، فإنني أتمنى، وهي مجرد أمنية لا تقدم ولا تؤخر، أقول: إنني أتمنى من وزارة الشؤون الإسلامية أن تفعّل أمرها أو تعميمها القديم على أئمة ومؤذني المساجد، بمنع استخدام الميكرفونات الخارجية منعاً باتاً في المساجد، فيما عدا رفع الأذان والإقامة، وقصرها بعد ذلك على المصلين في داخل المسجد.
وفي الليلة البارحة بدأت صلوات (التراويح) - ولا شك في أنها سنّة حسنة - ويؤجر كل من يؤديها، وما أكثر ما أديت أنا بعض الركعات منها حسب ظروفي، ولكن أن تلعلع الميكرفونات مع كل تراويح، والناس يملأون الشوارع والأسواق وبعضهم يتهارجون أو يتمازحون أو يتلاسنون، وكلمات الله تدخل ثم تخرج من آذانهم، فهذا غير لائق؛ بل إنه مخجل، فكلام الله عز وجل له حرمته واحترامه.
هل انطبق علينا المثل القائل: (يا صاقعة صقعاً، أو يا باقعة بقعاً)؟! فقبل عدة عقود كان البعض يحرّمون الميكرفونات، والآن يعضّون عليها بالنواجذ (!!).
*الشرق الاوسط