مشعل السديري يكتب:
مشاهدات رمضانية
أريد أن أترك المجال في عمودي اليوم، وأقتطع بعضاً من الذكريات الرمضانية، التي أوردها أستاذنا إبراهيم مفتاح في كتابه الممتع «خرف مبكر». والأستاذ إبراهيم مثلما هو معروف، الابن البار لجزائر فرسان الحالمات التي هي من دون شك أجمل جزر البحر الأحمر، ولا بد أن يأتي دورها بالتطور، فهي من الكنوز الخالدة فعلاً.
ويقول في المشهد الأول من ذكرياته: قد أكون صورة منها قبل أن تعرف شوارعنا كثافة السيارات ولم تألف آذاننا «طرقعات شكمانات» الدراجات النارية، وحتى الدراجات العادية (البيسكليتات) كانت قليلة في ذلك الزمان عندما كنا نحمل كتبنا المدرسية ونذهب إلى المدارس مشياً على الأقدام في صباحات أيام شهر رمضان الكريم، وفي أجفاننا بقايا نعاس تجففه أشعة الشمس.
نظام بدء اليوم الدراسي وبداية الحصص لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا، وهو العاشرة صباحاً، والحصة ثلاثون دقيقة كما هو الحال اليوم، لكن الأمر الذي اختلف عن تلك الأيام أن فصول الدراسة لم تكن تعرف أو تتذوق هواء التكييف، ونوافذ تلك الفصول كانت مشرعة للنسمات القادمة من كل الجهات، وفي كثير من الأحيان يشح علينا النسيم بأنفاسه فنتصبب عرقاً، ومع ذلك نكمل أيامنا الدراسية الرمضانية، ولا تمنح لنا الإجازة إلاّ بنهاية اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر الكريم.
المشاهدة الثانية: أصحاب الجباه السمراء، والسواعد المفتولة الذين لوحت الشمس ملامحهم، وأرهقت المعاناة أجسادهم المتوشحة بالإصرار، وتحدي مصاعب الحياة في سبيل الحصول على لقمة عيش شريفة مبللة بعرق الكفاح، وذلك عندما يمتطون قواربهم الصغيرة ويقتحمون عباب البحر وهياج الأمواج مخترقين ضراوة الأعماق بحثاً عن الرزق.
هؤلاء المتعبون تأتي الساعة الأخيرة من نهار رمضان، وقد رسم الظمأ على شفاههم خيوطاً أشبه بالتشققات، لكنهم لم يئنوا أو يتوجعوا، وإنما يحتسبون ذلك عند الله ثواباً على صبرهم.
المشاهدة الثالثة: مشاهدة طفولية حين يصحو الطفل من نومه النهاري ليجد والديه وبقية أفراد أسرته - من الكبار - يغطون في نوم عميق لينفرد هو بـ«سحّارة» أهله، أو دولابهم الخشبي، ليجد ما تركوه له من أكل يسكت به عصافير بطنه - كان ذلك قبل أن تفسد الثلاجات مناعة أجسامنا التي أصبحت تصاب بالتسمم لأتفه الأسباب - ثم ينطلق ليلعب مع أقرانه ويردد معهم بعض الأناشيد الطفولية الرمضانية، التي منها:
يا علي رص الفناجين
عندنا دولة وعسكر
عندنا رجّال مكسّر
قهوة الهندي رزينة
حالية من غير سكر
ويقول في المشهد الأول من ذكرياته: قد أكون صورة منها قبل أن تعرف شوارعنا كثافة السيارات ولم تألف آذاننا «طرقعات شكمانات» الدراجات النارية، وحتى الدراجات العادية (البيسكليتات) كانت قليلة في ذلك الزمان عندما كنا نحمل كتبنا المدرسية ونذهب إلى المدارس مشياً على الأقدام في صباحات أيام شهر رمضان الكريم، وفي أجفاننا بقايا نعاس تجففه أشعة الشمس.
نظام بدء اليوم الدراسي وبداية الحصص لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا، وهو العاشرة صباحاً، والحصة ثلاثون دقيقة كما هو الحال اليوم، لكن الأمر الذي اختلف عن تلك الأيام أن فصول الدراسة لم تكن تعرف أو تتذوق هواء التكييف، ونوافذ تلك الفصول كانت مشرعة للنسمات القادمة من كل الجهات، وفي كثير من الأحيان يشح علينا النسيم بأنفاسه فنتصبب عرقاً، ومع ذلك نكمل أيامنا الدراسية الرمضانية، ولا تمنح لنا الإجازة إلاّ بنهاية اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر الكريم.
المشاهدة الثانية: أصحاب الجباه السمراء، والسواعد المفتولة الذين لوحت الشمس ملامحهم، وأرهقت المعاناة أجسادهم المتوشحة بالإصرار، وتحدي مصاعب الحياة في سبيل الحصول على لقمة عيش شريفة مبللة بعرق الكفاح، وذلك عندما يمتطون قواربهم الصغيرة ويقتحمون عباب البحر وهياج الأمواج مخترقين ضراوة الأعماق بحثاً عن الرزق.
هؤلاء المتعبون تأتي الساعة الأخيرة من نهار رمضان، وقد رسم الظمأ على شفاههم خيوطاً أشبه بالتشققات، لكنهم لم يئنوا أو يتوجعوا، وإنما يحتسبون ذلك عند الله ثواباً على صبرهم.
المشاهدة الثالثة: مشاهدة طفولية حين يصحو الطفل من نومه النهاري ليجد والديه وبقية أفراد أسرته - من الكبار - يغطون في نوم عميق لينفرد هو بـ«سحّارة» أهله، أو دولابهم الخشبي، ليجد ما تركوه له من أكل يسكت به عصافير بطنه - كان ذلك قبل أن تفسد الثلاجات مناعة أجسامنا التي أصبحت تصاب بالتسمم لأتفه الأسباب - ثم ينطلق ليلعب مع أقرانه ويردد معهم بعض الأناشيد الطفولية الرمضانية، التي منها:
يا علي رص الفناجين
عندنا دولة وعسكر
عندنا رجّال مكسّر
قهوة الهندي رزينة
حالية من غير سكر
*الشرق