رفقي قاسم يكتب:

التصالح والتسامح وقصور الرؤية

أخذ مني هذا الموضوع وقتاً طويلاً لأكتب ما كنت أظنه موضوعا سهلا وبسيطا ولكن حين بدأت أسطر بعض رؤاي عن هذا الموضوع توقفت مرارا وتكرارا، وتزاحمت الأفكار ومن أين أبدأ؟ وكيف؟!! ولذلك تأخرت كثيرا للبدء بكتابة هذا المقال حاملا رؤاي، وفجاءة جاءتني رسالة واتس ورسالة صوتية تتناول هذا الموضوع بشكل أذهلني كنت أفتكر أن الرسالة من شخص لا اعرفه ولم أقابله اطلاقا، ولكن نتبادل بعض الأحيان الرسائل وعوضا من أن يخوض في مجال التصالح رأيته يؤججها وبالمفتوح للأسف.. وهذه الرسائل جاءتني قبل حوالي ستة اشهر وقبل خمسة أيام وفي ثاني يوم رمضان جاءتني أيضا رسائل من اخر يحمل نفس الفكرة والرؤى واثارة الفتن وقد نقلت بعض مضمونها بصفحتي بالفيس، وباختصار يقول ما لكم ساكتين عيال عدن، بل قال تطبلون للأخرين!! وهذا ما استحثني لكتابة هذا المقال وهذه الرؤى ورددت عليه وقلت أعطني تعيين نفر واحد فقط مدير عام من عدن الان أو من قبل، وحينها سكت وانعجم!! بهذا أحببت أن أبدأ ما سأكتبه الان عن قصور رؤية التصالح والتسامح.

 مشروع التصالح والتسامح:

في البدء أرى ان تكون التسمية التسامح والتصالح لأنه من غير المعقول أن أتصالح مع الاخرين ونحن بعد لم نتسامح ونتصافى لهذا كان المناضل نيلسون مانديللا اكثر عقلانية في طرحه وما تم في جنوب افريقيا كنا نأمل ان يصير عندنا، ومع ذلك نقول نشكر كل من بذل جهدا سابقا من أي كائن كان، وقد نجحت الفكرة وان كانت محصورة الرؤية ومقصورة مثل ما نجحت حركات الجنوبية السلمية في بداية الامر لولا انغماس من انغمس فيها ولعبت الايادي القذرة وشتت قواها لأغراض ذاتية ودنيوية مصلحية. والهدف الأساس للتسامح والتصالح هو اعتبار الجنوب وطنا وليس قبيلة، وعادة الوطن يتسع لكل التنوع وتعدد الرؤى بل والاختلاف، والاهم في هذا الوطن وجود نخبة سياسية قادرة على ادارة كل ما ذكر أعلاه بالأدوات السياسية العقلانية ونسيان الماضي وترسباته والعمل جميعا كفريق واحد بعيدا عن الأيدولوجيات المختلفة، ووضع الأساس فقط، وفي المقام الأول الانتماء للوطن والنهوض به الى ما كان أو أفضل واحسن، وقد تمت جهود مبذولة من اطراف جنوبية عديدة لرأب الصدع، وللأسف لم نرَ نتائجها على ارض الواقع لأسباب عدة وعوامل داخلية وخارجية ما لأنها الرؤية كانت محصورة في تصالح وتسامح لاقتتال يناير1986م فقط ولم تعالج الامور الاخرى.

وحتى نتلافى ما حدث ونتدارك ما سيحدث لا سمح الله، نوضح بإيجاز العوامل الداخلية والخارجية كي نسير بخطى ثابتة نحو القادم الأفضل والبلوغ للوطن المنشود.

 العوامل الداخلية، وسنأخذها بالتدريج:

- لم يكن اقتتال يناير1986م هو الأساس ولكن كان الأعنف والسيئ حيث ثم القتل على حسب الهوية والبطاقة للأسف، وكأن مدنية عدن لم تكن يوما هي أساس التحضر وفي الإقليم عموما وقد سبقت الاقتتال قتال آخر.

- الاقتتال بين المكونات الأخرى التي كانت متواجدة أيام النضال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي وحزب رابطة أبناء الجنوب وغيرها هنا لا اناقش الأسباب ولكن يجب ان نناقش كيف نعالج الأمور لأسر تضررت نتيجة هذا التهميش قتلا أو إهمالا من كافة الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال، فترة النظام الشمولي.

- قرار فصل الكوادر من كل طوائف عدن بحكم أنهم عملاء وكوادر الاستعمار بإجحاف دون معاشات شهرية ولا تقاعدية بل بتهم مخزية لهم ولعائلاتهم لم تنطلي على الشعب في عدن لأنهم يعرفونهم جيدا.

- حركة 14مايو في أبين ثم حركة 22 يونيو التصحيحية كما سموها وما لحقها أيضا من ضرر لفئة من كوادر الجنوب المتعلمة والواعية.

 - طائرة الدبلوماسيين الاكفاء للتخلص ممن بقي من الكوادر الرجعيين اليمينين بوجهة نظر بعض الشموليين.

- إجراءات تأميم المساكن دون تعويض حتى يومنا، علما انها كانت أملاك تجار مواطنين وعقاراتهم، أخذت تعسفا وعنفا وظلما وازداد الامر سوءٍا بعد الوحدة حيث أُعيدت بعض الدكاكين والمستودعات وبعضها لم يعد ولم يسترجع بسبب الغش والخداع والتحايل الى يومنا هذا.                                                                    

نكتفي بما اوردناه من عوامل داخلية وان وجدت بعض الأشياء لم اذكرها كي لا اطيل ولا اطنب.

 العوامل الخارجية وهي قليلة ولكن ذات تأثير عميق وبُعد نظر أعمق:

- نتيجة لطبيعة الحكم السائد حينها والذي لم يتواكب مع دول الجوار والإقليم نتج خلاف ظاهر للعيان مما اثر على علاقة حكم الجنوب بدول الجوار وكانت العلاقات تتعامل بحذر وعدم ثقة ويتفاوت التحسن بيت التقارب والتباعد أحيانا مع المملكة والامارات والكويت وعمان والبحرين.

 - العلاقة مع دولة اليمن الشمالي كانت بين شدٍ وجذب وقد خاضت تقريبا ثلاثة حروب على ما اظن.

وبناءً على ما ذكرناه من عوامل داخلية وطنية وقطرية وإقليمية وبقية الدول العربية الأخرى وجب- حسب اعتقادي- على من سيتولى امر الجنوب لاحقا وكيف يسيس الأمور حينها، وان تؤخذ ما ذكرناه بعين الاعتبار وان تكون الرؤى واضحة، وكيف تعالج الأمور دون تجني ولا ظلم وبشفافية مطلقة، وليعلم بان عهد ثورات السلاح قد مر واليوم نحن بعهد ثورات الاقتصاد ومناهل العلم، ولا أذكر هنا مكون من المكونات ولا هيئة من الهيئات ولكن أقول يجب أن يكون هناك تصور للدولة القادمة تأخذ باللباب رؤاها وكيفية معالجة الأمور دون تمييز ولا غيض الماضي السيئ.

*- الأيام