د. علوي عمر بن فريد يكتب:

هل هذا هو النداء الأخير ؟

بعض الكتاب الموهوبين لديهم حاسة سادسة لقراءة المستقبل ومنهم الكاتب والصحفي خير الله خير الله الذي عاصر القضية الجنوبية وواكبها منذ الاستقلال عام 1967 وحتى اليوم وقد أوجزها في مقال له في عدة نقاط منها :

1- إن الذين حكموا بعد الاستقلال سارعوا إلى تفريغه من الكفاءات .

2- بدأت جمهورية الجنوب بداية خاطئة فمن لم يصف جسديا من ذوي الكفاءات تم تهجيره .

ويتساءل خير الله فيقول :

هل كانت الجمهورية في الجنوب ضحية التخلص الباكر من النخب في المجتمع أم راحت ضحية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ؟؟

3- بين العام 1967 وحتى عام 1990 كان الجنوب مسرحا لسلسة من الحروب الأهلية والاغتيالات منها تفجير طائرة الدبلوماسيين وعددهم 22 سفيرا من ذوي الكفاءات في طائرة واحدة جرى تفجيرها في الجو في 30 ابريل عام 1973م

4- كان استقلال الجنوب فرصة ضائعة ويسأل خير الله : ماذا بقي من هذا الاستقلال بعد مضي 50 عاما على استقلاله ؟

ونحن نقول :

لعل مقال خير الله خير الله تذكرة وتنبيه ودق جرس إنذار للجنوبيين أن الفرص التاريخية لا تتكرر فقد أضاعوا فرصة الاستقلال وما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي قبل الوحدة التي لم يكونوا مضطرين لها وحرب العام 94 في تجاهلهم العامل الهام في النجاح وهو وحدة مجتمعهم وقيادتهم لبناء دولة حقيقية تمثل مصالح كافة أطياف مجتمعهم وأضاعوا تلك الفرص المهدرة عندما احتكروا الحكم في الجنوب واختزلوه تحت شعار بائس : (كل الشعب قومية ) وأقصوا كل أطياف التعدد السياسي في الجنوب ..وخونوا الكل وأضفوا على حزبهم صفة القداسة !!

واعتبروا الجنوب مجرد مزرعة لتجاربهم المستوردة من خارج الجغرافيا والتاريخ ..وظل الجنوب رهينة مختطفة بيد الحزب الطليعي حتى ذاق الويلات وبال أمره على أيديهم !!

وأقول بصدق وتجرد إن بعض الفلول من هؤلاء لا زالوا معجبين بتجربتهم التعيسة ويحلمون بعودتها لحكم الجنوب ..وهم لم يكونوا سوى نظام قمعي كان ولا زال يختبئ خلف شعارات ثورية حالمة .. وان الجنوب في عهدهم كان دولة ويمتلك مؤسسات والحقيقة ..ما هي إلا أكذوبة يريدون إقناع السذج بها !!!

 أنه مجرد نظام بوليسي قمعي كان ولا زال تحكمه ذهنية الثقافة القبلية مغلفة بشعارات طبقية خادعة مضللة دمرت ولا زالت تدمر كل شيء في الجنوب !!

ومما زاد الوضع بله أن بقايا الاشتراكي الذين قذفوا بالجنوب في مهاوي الوحدة ..جلبوا معهم ثقافة النهب والاستباحة من خلال الوظائف العامة التي تقلدوها في دولة الوحدة ..القائمة أساسا على ثقافة النهب والسلب لأملاك الدولة ..

ودليلنا في ذلك أن الوظائف الهامة في الدولة لا تمنح حسب الكفاءة ولكن تهدى حسب القرابة والمناطقية ومن على رأسه بطحا يتحسس عليها ..والحليم فهيم !!

 ونخشى اليوم أن الجنوبيين يكررون نفس الخطأ لا بل الخطيئة فهم اليوم تتجاذبهم الخلافات القبلية والدينية الطائفية والمناطقية لا أقول السياسية فالسياسة فن الممكن وانتهاز الفرص وستكون هذه الفرصة إن ضاعت آخر مسمار في نعش دولة كانوا يحلمون بها..و في وقت عصيب ومفصلي كهذا لا وقت ولا مجال فيه للنزعات الأنانية القبلية الضيقة وإنما للعمل الجاد من اجل الغاية الكبرى .

لم نكن يوما نفكر بواقعية في مستقبل بلادنا إنما تأخذنا الأهواء في اتجاهات شتى وهذا سبب ضياعنا. ولعل خير الله خير الله قد أوعز إليه كتابة هذا المقال الجيد في هذا الوقت الصعب.

وهنا نتسائل :

أي مستقبل ينتظر وطننا؟

 إن كل المؤشرات تدل أن الحرب على الحوثيين لن تعطينا وطنا خال من الفساد والتطرف فلقد انتشر الفساد وأصبح القاعدة ونظافة اليد والشرف والكرامة والقانون والوطن هي الاستثناء في عالم الجنوب العربي؟

إن سلوكيات اليوم ينبني عليها الغد ولا أرى فيها إلا انتكاسة كبرى لدى كل الأطراف المؤثرة إذ أن الشعارات لا تنفع إن لم تصاحبها ممارسة فعلية على الأرض وقد حان وقتها الآن في التضامن مع هذا الشعب المكلوم من خلال البدء ببناء دولة النظام والقانون . إن باستطاعتك اليوم أن تشتري أي احد ليقوم لك بعمل قذر مقابل المال وسيفلت من العقاب ولا احد باستطاعته إيقاف عجلة الفساد الدائرة والتي تلف بسرعة محركات احدث الطائرات النفاثة. سلام على وطن حلمنا به فانصرف عنا وتركنا نعاني الحسرة . وداعا لأولئك الرجال الذين حلموا بالعدل والمساواة فلم تعد تلك الا في كتب التاريخ وذكريات الماضي البعيد!!!!

*- باحث ومؤرخ