عدلي صادق يكتب:

الجاهة

في أبوظبي، وهي سوق عمل وعلم، تُحسم الخيارات في مناخ هادئ، ويُقاس المرء، ذكرا أو أنثى، بعلمه وعمله وأخلاقه وعلامات مروءته!

وصلت إلى عاصمة الإمارات، ومنها إلى “العين” الفاتنة، مدينة النخيل والزهور والصروح العلمية، ومحبوبة سكانها من أهل البلاد والمقيمين فيها؛ لكي أتقدم الجمع الذي يسمى الجاهة، لطلب يد ابنة أسرة من كبرى عشائر الأردن، لابن أسرة فلسطينية، كبيرة بما أنجزت.

والفتاة والشاب مهندسان، والداهما من النابغين في العلم ومن النوعيين المميزين في العمل. فكرت في الأمر ومفارقاته، قبل أن أرتجل نصا قصيرا، يفي بالغرض ويوضحه: طلب يد الفتاة للشاب، والاستماع إلى الإجابة، علما بأن المسألة شكلية، طالما أن والد العريس دعا الكثيرين من جانبه للحضور، ووالد العروس وهو المُضيف، زَنّر منزله بعناقيد من ضوء، وهيّأه لاستقبال الوافدين. فالمشهد يُفصح عن نفسه بنفسه، علما بأن الجاهة في الأصل، كانت لمحض الطلب، على أن تكون الإجابة حسب تساهيل رب العالمين، فضلا عن تقدير الأسرتين لمدى وجوب المصاهرة.

ولطالما كانت النتيجة إما إيجابية بحكم معرفة سابقة بين العائلتين والأسرتين، وإما بالرفض بحكم المعرفة نفسها، أو بالقول ما معناه: أعطونا أسبوعا لكي نتحقق من أهلية المتقدم. وكان أحد إشكالات النص القصير الذي يتعيّن عليّ ارتجاله، بحكم أن مألوف العادات، هو إسماع الحاضرين، كلاما مسرحيا قوامه في الأصل الطلب الذي يحتمل الأجوبة الثلاثة: الإيجابي والسلبي والوَسَطي وقوامه طلب مهلة التقصي. لكن الأمر في حقيقته، أن القرار قد اتخذ. ولم يعد هناك جاهة بلا قبول.

فمنذ شهرين أعربت أسرة الشاب عن رغبتها في التقدم لأسرة الفتاة، دون أن يعرف بالأمر أحد من خارج الأسرتين، وقد أجيب على طلب الأسرة الأولى، بمقترح حضاري ومنطقي ينسجم مع جوهر السُنة النبوية، وهو أن تتواصل الأسرتان، وأن يُصار إلى التعارف بين العريسين دونما أي إسفاف، وبعدئذ يكون القبول أو تحميل ما يسمونه “النصيب” المسؤولية عن الرفض.

شعرت أن الفقرة المسرحية فيها قفز على الحقيقة، وأنها لا تناسبني. فالأمر مُتفق عليه، وقد تمخض التواصل عن قبول. لذا بدأت بهذه الجزئية. ومثلما يفعل الشيوخ عندما يُعززون أمرا مرغوبا فيه، بحديث نبوي. قلت إن هذه اللحظة البهيجة، هي محصلة تفاعل بين الأسرتين امتد لشهرين، امتثالا لحديث المصطفى: أشهروا النكاح واخفوا الخطبة”. فقد أصبحنا، بصدد إسماع الجاهة الكريمة صيغتي الطلب والجواب!

العريس المهندس هو ابن شقيقي، والعروس ابنة أبيها الذي غدا أخا وصديقا!