مشعل السديري يكتب:

لعبة (Ludo Star)

أيام المضاربات بالأسهم، وارتفاعاتها الخرافية، كنت في كل مناسبة أحضرها، أجلس فاغراً فمي مستمعاً بإعجاب وتعجب، للأحاديث المحتّدمة بين الحضور، وكلها تدور حول الأسهم وارتفاعاتها ومكاسبها، ومع أنني كنت أحسد من أعماق قلبي كل الكاسبين، إلاّ أنني في نفس الوقت كنت أجبن من أن أضارب أو أضع ريالاً واحداً في أي سهم – يعني باختصار (chicken) ولله الحمد.
ومع زيادة المكاسب أصابت (الشفاحة) عقول الناس فأصبحوا سكارى وما هم بسكارى، إلى درجة أن بعضهم من زيادة الطمع لم يكفه المكسب الذي حققه، فمنهم من استقال من وظيفته ليتفرغ للمضاربة، ومنهم من رهن منزله عند البنك ليحصل على سيولة أكثر، وكأنه يلعب لعبة (Ludo Star) التي مكاسبها بالملايين (الوهمية).
وفجأة في ليل أظلم وإذا بالأسهم عن بكرة أبيها تهوي بالحضيض فجأة مثلما هوى برج التجارة العالمي بنيويورك، وخرج زبائنه من بين غبار ورماد الخسائر شعثاً غبراً، يكلم الواحد نفسه غير مصدق من شدّة الصدمة والذهول.
ويبدو أننا في السعودية لم نتعلم من كارثة «سوق المناخ» في الكويت، التي أكلت الأخضر واليابس.
وحزنت عندما شاهدت في إحدى القنوات الفضائية، مقابلة مع جاسم المطوع الذي كان من دون منازع (king) البورصة الكويتية، حيث كانت ثروته تزيد على 10 مليارات دولار كسيولة، هذا غير العقارات، وكان الفرق البسيط بينه وبين أمير الكويت أن الأمير يملك طائرة واحدة فقط، في حين أن المطوع يملك ثلاث طائرات هي أفخم وأسرع، وفي غمضة عين ضاعت ملياراته وعقاراته وطائراته، وأصبح لا يملك شروى نقير.
وعندما سأله المذيع: ماذا تنتظر في دنياك؟ فأجاب بأنه ينتظر أهل الخير من إخوانه في الكويت والخليج ليأخذوا بيديه من الحفرة التي سقط فيها.
ثم أردف قائلاً وهو يقلب بيده «بَكِت» السجائر المارلبورو الأحمر، ويقول: هل تصدق أنني لا أملك حتى ثمن هذا «البكت»؟!
وهو ذكرني بوليم بريستون الأميركي الذي كان يحرك الرساميل بالمليارات ويربح، والذي كان مرغوباً من البنوك والشركات الاستثمارية التي تطلب استشاراته بأي أتعاب فلكية.
هذا (الأخطبوط) السام وقع فجأة في «تسونامي» السقوط العظيم للأسهم، دون أن يسمّي عليه أحد.
وصوره أحد الصحافيين عندما رآه صدفة مشرداً ونائماً على قارعة الطريق، مستخدماً حقيبة جلدية طواها ليجعلها وسادة تحت رأسه.
صدق من قال: من كان معافى في بدنه، آمناً في سربه، لديه كفاف يومه، فكأنما ملك الدنيا وما فيها – انتهى.
بالنسبة لي فهذه النعم الثلاث لا تكفيني، أريد معها نعمة رابعة أختارها أنا على مزاجي، لكي أنسى الدنيا وما فيها.

نقلا عن الشرق الأوسط