صالح علي باراس يكتب:
الربيع العربي والحراك الجنوبي
أزمات وفشل الدولة الوطنية في العالم العربي وصل إلى ذروته ، فشلت حكما ومعارضة، فصار الربيع ضرورة لإصلاح الأوطان .
فشلت التنمية واستشرى فيها الفساد وتمكين الأقارب والمحسوبين وإدارة الدولة بهم ، وفشلت علاقتها بمواطنها الذي ظلت تديره باعتباره شيء من اشياءها وليس انسانا، وكان إعلامها الأداة القاهرة المكملة لامنها، اعلام أشبه بإعلان يخاطب ويرضي متابع واحد هو سعادة الهمام رئيس الجمهورية وازياؤه واوضاعه وحركة يديه وابتسامته !!، جففت الدولة كل جداول التغيير ووضعتها في خانة العدو الأمني ، حولت المؤسسات الأمنية والعسكرية الى قبيلة لسيادة الرئيس أما المؤسسات المدنية فكانت ملاذات للمنافقين وعديمي الخبرة والسمة الواشمة لمنسوبي تلك المؤسسات هو استعدادهم لكتابة التقارير حتى على ذويهم . أما المال العام والمؤسسات والمرافق العامة فقد أصبحت دولة "بضم الدال" بيد سيادته يصل به من يشاء ويقطعه عمن يشاء باختصار الوطن مزرعة ومتجر واستثمار للرئيس وابناء واقارب سيادته .
✅ اما السلبية القاتلة للربيع العربي انه لم تخطط له أحزاب ذات روىء وطنية تمتلك اتصالات دولية تعبر عنها وتعرف العالم بها ، فنظام السيد الرئيس جفف كل الجداول السياسية والحزبية وزرع مجساته الأمنية في كل مكان فحول المجتمع أما إلى مقبرة احياء "تسير جنب الحيط" أو استوديو اناشيد لتمجيده .
✅ كانت أحزاب الإسلام السياسي جاهزة فهي مهما تعرضت له من قمع ليس كما تقدمه مظلوميتها ، إذ بقيت قريبة من السلطة وإن ضربتها تتعاون معها فتكافئها في استحقاقات مهمة تحتاجها بأكثر مما تضربها، وكانت تحمل سمات دولة سيادة الرئيس ، يهمها أكثر منه تجفيف جداول التنوع السياسي والحزبي، ولانها سياسيا تخدع الناس بالله كثيرا انخدعوا لها الى حين ، وهي الأكثر تنظيما ومالا وخبرة التحقت بذلك الربيع ولم تخطط له بل خطط له ونفذه شباب لديهم الحماس ولايملكون وسائل تنظيمية يصهرون فيها حماسهم ويتحول إلى فعل منظم ، وهذه حقيقة لايمكن انكارها فتمخضت تلك التجربة عن تيار إسلامي لاتختلف رؤيته عن شمولية دولة السيد الرئيس وحكومته وفساده فآلت نتائج ذلك إلى عملية إعادة انتاج لصراع الإسلام الحركي مع الدولة العميقة لسيادة الرئيس وأصبح شعار التغيير مجرد لافتة يتصارع تحتها فساد دولة سيادته مع فساد تنظيم المرشد الذي يقدم تنظيمه الدولي بوجوه متعددة فهو مع العسكر مؤيدا للانقلابات ، وفي مجتمع القبائل يشرعن احكام "المحدش والمربع" ، ومؤسلما للعلمانية ، وديمقراطيا مع ديمقراطية اوصلته للسلطة مالبث ان غير الدستور الذي اوصله للحكم وهكذا دواليك.
✅ في بعض البلدان تم الضغط على المكون المجتمعي المتنوع فانفجر صراعا طائفيا يأكل الأخضر واليابس . وهو ما استفادت منه استراتيجية محاربة الإرهاب فتحولت بلدان الربيع إلى ساحة من ساحاتها .
✅ فشل الربيع العربي لأنه لم تخطط له وتقوده طليعة حزبية من لحمته ومعاناته لها رؤيتها المنظمة والناظمة والتنظيمية تقدمه للعالم بأنه فعلا ثورة تغيير ، قادته تيارات شعبوية غير منظمة لم تستطع أن تدافع عن ربيعها فاستولت عليه أحزاب التحقت به فتحول إلى صراع بين ذات القوى ومصالحها قبل الربيع.
✅ الشرعية اليمنية هي امتداد سييء لدولة وطنية سيئة في اليمن وتملك مقومات دهائها والإدارة بالفساد التي كانت سمتها الواشمة وسمة احزابها .
✅ الحراك يعاني ذات ازمات الربيع وتترصده نفس الاحزاب وفساد الدولة العميقة ، انطلق بلا قيادة واستمر بلا قيادة الا من مكونات لاتملك عمق وسعة تنظيمية فيه ولاعلاقات دولية أو إقليمية تعرف العالم به فتوصل صوته حتى الى جيبوتي المجاورة ، ومحاولات السيطرة عليه غير خافية ففي كل استحقاق ينصب اعداءه مكونا يفاوض باسمه لتحقيق مصالحهم وتجيير الحراك لمصالح مشاريع معادية ويكون مسمى الجنوبية جواز مرور لذلك التنصيب .
✅ لا ادعي الكمال لتجربة المجلس الانتقالي ولست محاميا له فأمامه استحقاقات كبيرة جدا ينجزها لحمل مشروع الاستقلال لابد أن يقوم بها داخليا وإقليميا ودوليا ومايجعلني أثق به انه التجربة الوحيدة التي لم تصنعها العمليات السياسية لدولة صنعاء بمكونها الجنوبي واليمني .
✅ الصراع في الجنوب مابعد الغزو بين طرفين : طرف شرعية يمنية تستثمر الجنوب سياسيا وتعمل على تسخير كل إمتيازات السلطة في شراء الذمم وكسب الولاءات لمحاربة المشروع الجنوبي وطرف اخر مشروعية على الارض للمشروع الجنوبي بحراكه ومقاومته لاتملك شرعية فتحملها الشرعية كل الاخطاء والسلبيات وتشيطنها لعل مشروع شرعيتها يكسب القلوب في الجنوب . والذين يدافعون عن المشروعية يعتبرونها طهارة وصواب وعدل وان الاخر هو مؤامرة ورجس وخطأ وأنهم اتباع " شي عيشه" وهذا معيار يجب أن يعاد النظر فيه ومحاسبة الاخطاء في اداء المؤسسات التي تتنمط شعبيا أنها امتداد للمجلس أو التبرؤ من اخطائها وترك مسافة تفصلها عن المجلس اذا لم تحررها قياداتها من الاخطاء
فمشروع الشرعية يراهن على تغيير قناعات الناس وان ذاكرة المزاج الشعبي حسية ضعيفة تتأثر بالمشاعر وتتغير بالتنميط وبالسلوكيات التي تستفزه ويمكن إقناعها بالشيء ونقيضة ولتنميط ذلك يتم استغلال تصرفات أشخاص قد يكونون مناضلين ناجحين لكنهم ليسوا بقادة مؤسسات ناجحين لعدم تاهيلهم مهنيا لأداء وإدارة تلك المؤسسات
لذا لابد من المراجعة والتقييم وتقديم الأفضل للناس بقدر المستطاع.
لا دخان من غير نار فالبلطجة والابتزاز والسجون والخطف خارج إطار القانون...الخ ليست كلها دعايات مغرضة للاعداء بل ممارسات يعيشها المواطن وتجعل الاعداء يحيون تجربة 1986م في الذاكرة الجنوبية ويسقطونها بان الانتقالي استنساخ لها وهذا ليس لصالحه ولا لصالح مشروع الاستقلال ، فالسكوت وعدم المحاسبة والوقوف بجدية وشفافية ازاء ذلك بحجة أن لانعطي فرصة للاعداء حجة ستنعكس سلبا على مشروع الاستقلال برمته وهذا ماتراهن عليه الشرعية واحزابها واعلامها بالعمل على تثبيت ذلك في الوعي الشعبي عبر كل الوسائل التي تعيد تشكيل ذلك الوعي وتغييره .
✅ الرهان على ثبات الراي الشعبي غباء سياسي ووطني فقد تم اختراق وإعادة تشكيل الوعي الجماهيري لجماهير ثورة 1919م المصرية فصار : "الاحتلال على يد سعد زغلول خير من الاستقلال على يد عدلي يكن"!!!
✅ امام كل من يؤمن بمشروع الاستقلال فرصة لتطوير المجلس مهما كان الخلاف معه وحوله مالم فان الجميع سيلاقون المصير الذي لاقاه الربيع العربي وستصبح المقاومة والحراك ثورة فاشلة سترثها أحزاب اليمننة التي تتربص بالجميع منذ انطلاقته وصعود المقاومة للعودة بالجنوب أرضا وانسانا وهوية إلى باب اليمن وسيصبح المنتمي للمجلس والرافض له عبيدا في صنعاء شئنا أم ابينا.
صالح علي الدويل