عدلي صادق يكتب:

مآلات الصراع في سوريا

هناك الكثير مما يتوجب على القيادات الإقليمية والعربية أن تتأمله، من خلال رصد التطورات في جنوبي سوريا، وبدء الحرب لانتزاع المنطقة من أيدي المعارضة المسلحة. ففي سياق هذه التطورات وأهمها، ينبغي التركيز على دور اللاعب الإسرائيلي، لكي نختبر رصيد الكلام الشامخ القديم الجديد، عن التصدي للإمبريالية والصهيونية والديكتاتورية، وأن نعرف العلاقة بين معطيات الواقع والعبارات المتداولة عن الامتناع والممانعة والوعود بالدولة الإسلامية التي ظل يبشر بها بشرٌ لو كانت في أيديهم إمبراطورية لخربوها.

فما حديثنا الدائم، عن ضرورة احترام المجتمع وإطلاق حرياته وصون دمه وكرامته، إلا بهدف تعلية قدرة كل شعب، على مقاومة محاولات الهيمنة على بلاده، وإحراز العدالة التي أطاحتها كل الأطراف التي تصارعت في سوريا وعليها.

الأميركيون والروس، حلفاء إسرائيل لن يكونوا حلفاء صادقين وحقيقيين، للأوساط العربية التي تتوسل التسوية بعد أن افتقدت عنصر التأثير في الإقليم وفي العالم، ولن يكونوا حلفاء صادقين وحقيقيين للأوساط العربية التي تتحدث عن المقاومة، وقد أهملت عنصر العدالة والجاهزية الحقة.

أما إيران، معقد الرجاءات لدى هذه الأوساط الأخيرة، فليس لديها ما تفعله حيال واقع الهيمنة الروسية على سوريا، في الوقت الذي تعهدت فيه موسكو لبنيامين نتنياهو، بالمساعدة على تصفية نفوذ طهران فيها، على النحو الذي يلبي المتطلبات الاستراتيجية الإسرائيلية. فقد بات حلم التمدد الإيراني ذي النزعة الطائفية، الذي يتوخى الوصول شرقاً إلى ساحل المتوسط، حُلماً بعيد المنال.

أما الشق الثاني، السُنّي، من الأصوليات المتطرفة التي كلما دخلت قرية عذّبتها؛ فقد حان موعد دفع ما تبقى من فاتورة تذابحها وانقساماتها، وغلاظة سلوكها وسذاجة أحلامها.

بل لعل هذه الأخيرة، أدركت الآن إلى أي مدى آذتها وضيعتها “غرفة الموك” في حوران، أي غرفة العمليات ومقر القيادة والتنسيق وإصدار الأوامر، وهذه غرفة تديرها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا والأردن وقطر، منذ أن تشكلت في العام 2013 وضمت عشرين فصيلا من الجيش الحر في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي، وجعلت هذه الفصائل تلتزم بشروطها، وفي جوهر هذه الشروط عدم المساس والاقتراب وتهديد الحدود الإسرائيلية بأية طريقة كانت، وحماية الحدود مع الجولان المحتل من أي تسلل إلى داخل إسرائيل. وبالطبع كان ارتهان هذه الفصائل للدول التي تمولها، على تناقض توجهاتها ومصالحها، سببا في امتناع الغرفة عن تحريك الفصائل لنجدة فصائل أخرى، ومعظم هذه الفصائل من اللون الإسلاموي المتطرف!

وكانت القيود الميدانية على الفصائل، تضاهي أو تماثل القيود الأمنية والسياسية على السلطة في فلسطين، ما جعل الطرف الآخر، يراهن لسنوات طويلة على حقيقة ارتباط المعارضة المسلحة بقوى عميلة، على افتراض أن النظام هو ممثل المقاومة والقوى الطاهرة. لكن سياسات واشنطن وموسكو وتل أبيب، ظلت ماضية في سياقها، وبعد الإجهاز على معظم فصائل المعارضة المسلحة، بمجهود حربي من الجو، شارك فيه النظام وطال الأبرياء، أصبحت إسرائيل، على درجة أعلى من التنسيق على مدار الساعة مع الروس.

 وارتفع التواصل العسكري بين قاعدة حميميم وتل أبيب من مستوى تغطية الهجمات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية وحليفة لإيران، إلى مستوى التفاهم الاستراتيجي والسياسي الشامل. فقد تفاهم بنيامين نتانياهو مع فلاديمير بوتين على ضرورة إخراج كل القوات الأجنبية، وضبط الحضور الإيراني في سوريا توطئة لإنهائه، مقابل وعد من نتنياهو بتأمين مغادرة القوات الأميركية قواعدها في شرق وشمال شرق سوريا، ووقف التصريحات المطالبة برحيل بشار الأسد والكف عن استعجال المرحلة الانتقالية.

تدور الـدوائر على الأطـراف الإقليمية التي تسلمت مقاولات الباطن، في بداية الأزمة، وتعمدت تدمير الانتفاضة الشعبية السورية ذات المضامين الديمقراطية والاجتماعية. أما الحلقات الصغرى والمجموعات والألوية المسماة بأسماء قرآنية ورموز إسلامية، بينما سلوكها سلوك شياطين؛ فقد أصبحت وقوداً للنيران الإغراقية من الجو والأرض، وتخلى عنها الذين ارتضتهم مرجعيات لها، وسيغادر الناجون منهم، في حافلات إلى نقاط تجمع يجري قصفها وإبادتها لاحقاً.

فلا الأسد يعترض على الاستراتيجية الروسية الإسرائيلية، ولا هو يجرؤ على شرح طبيعة الانتصار الذي يتحدث عنه، ولا إيران قادرة على وقف السياق المرسوم، ولا إسرائيل تشعر بأي قلق أو تهديد. بل هي التي تكتب السيناريو وترسم الخطى على الأرض، للقوة الروسية المهيمنة، في موازاة حديث عربي سوري ساذج عن الصداقة والحليف الضامن للنصر. وكل هذا الاختلال في قراءة الواقع، يحدث بجريرة الرهانات الخطأ بالنسبة لكل الأطراف، واستباحة حقوق الشعب السوري ودمه ومقدراته وزراعته وحجارة منازله!

في النسخة الفلسطينية من هذا السياق، سيصبح طرفا الخصومة وشق الكيان الفلسطيني، محض فصيلين، توضع تدابير خنقهما فيما الشعب ينتظر انفراجاً لحياته، لأن القضية التي ضحّى من أجلها وبذل الغالي والنفيس، هي آخر ما يعمل الفصيلان من أجله، علماً بأن أول مفاعيل العمل من أجل القضية، هو اجتذاب الشعب، لا خنقه وهدم عافيته وسلب حرياته.