هاني مسهور يكتب:

خمينيّون من الضاحية وحتى صنعاء

ارتدادات معركة تحرير الحُديدة من قبضة ميليشيات الحوثي الإيرانية كشفت عن حقائق تعزز أهمية هذه المعركة وأبعادها التي ضربت في عمق المشروع الإيراني حتى أنها أظهرت مدى الارتباطات الواسعة بين شبكات إيران في العراق ولبنان واليمن، فلم يكن البيان الصادر عن زعيم الانقلابيين عبد الملك الحوثي وهو بالمناسبة الأول الذي لا يظهر فيه عبر خطاب تلفزيوني منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014م تقليدياً فلقد حمل تأكيد العلاقة بين ميليشيات الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.

في جهة أخرى كانت رسائل تأتي من العراق إلى ممثلي الخمينية في صنعاء تؤكد فيها الجهات الموالية لإيران تعهدها بإمداد الحوثيين بالسلاح والرجال، توقيتات متزامنة هذه الانكشافات الواسعة بين أذرع إيران في الدول العربية التي استباحتها الميليشيات وعصفت بشعوبها العصبية المذهبية الطائفية وأغرقتها في حمامات الدم وأدخلتها في أتون صراعات دامية هتكت النسيج الاجتماعي والوطني، فما يعاني منه العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003م هو ذاته ما يعانيه لبنان ويغرق فيه اليمن.

عبد الملك الحوثي النسخة اليمنية من حسن نصر الله النسخة اللبنانية، يتشارك خطاب النسختين في ادعاء خصومتهم لإسرائيل وأميركا ويقدمان نفسيهما على أنهما مجاهدان بينما الحقيقة الأكيدة أنهما مجرد أدوات تنفذ مشروع إيران التوسعي ويحققان لها أهدافها الإمبراطورية الفارسية، لا يذكر عبد الملك الحوثي، إلا ويذكر زعيم حزب الله حسن نصر الله فالتشابه لا يقف عند مستوى التأثر بالخطابين اللغوي والجسدي. بل يتعداه لفكرة التنظيمين كليهما، فتنظيم «أنصار الله» أخذ اسماً مشابهاً، منذ عودة الأخ الأكبر حسين الحوثي من إيران. إضافة إلى التقليد والمحاكاة الواضحين لأسلوب حزب الله اللبناني في الأناشيد الدينية، ورفع الشعارات المعادية لأميركا وإسرائيل، في جميع التظاهرات.

ما يزيد الضغط على عبد الملك الحوثي في ظل خسائره العسكرية في جبهتي الحُديدة وصعدة هو ما تواجهه إيران من ضغوط أميركية بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من يونيو 2018م على قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتعهده على مضاعفة العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني، هذا الجانب يمثل بحد ذاته أكثر الضغوط على ميليشيات الحوثي التي تدرك أن خسارتها لمعركة الحُديدة تعني انقطاع الحبل السري الذي يربطها بإيران.

الأميركيون عازمون على قطع الأذرع الإيرانية، فالتدخلات في الشؤون العربية الداخلية شكلت سبباً في التدهور الأمني الكبير في الشرق الأوسط وأسهمت في زيادة العنف في المنطقة وتسببت في ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة كتنظيم داعش في العراق وسوريا، ولذلك وضعت الولايات المتحدة مسألة التدخلات الإيرانية كواحدة من أهم أسباب الأزمة مع إيران التي مولت حزب الله اللبناني وميليشيات الحوثي في اليمن بأكثر من مليار وسبعمائة ألف دولار بعد إبرام الاتفاق النووي في صيف 2015م بعد أن أفرج الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما عن الأرصدة الإيرانية التي كانت مجمدة.

لم يعد التورط الإيراني في اليمن يتطلب إثباتات بعد أن كشفت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي في نوفمبر 2017م أدلة مادية من خلال بقايا الصواريخ الباليستية التي استهدفت بها مدن المملكة العربية السعودية وكذلك ما عرضه المتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي في الرياض عن مصادرة صواريخ باليستية وقطع عسكرية مختلفة يضاف إلى ذلك كله ما كشفته معركة تحرير مطار الحُديدة من مخازن أسلحة وألغام إيرانية الصنع، فالتورط الإيراني لم يعد قابلاً للشك وحتى للتبرير ودور عناصر حزب الله في إدارة العمليات العسكرية في اليمن وتدريب ميليشيات الحوثي كذلك لم يعد خافياً فالمشروع الممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وبيروت ووصولاً إلى صنعاء مشروع واحد ومواجهته تبدأ بقطع رأس الشر في إيران.

الخمينيون هم شكل مكرر الاختلاف في العواصم التي يظهرون منها، فحوثي اليمن كـ «حسن لبنان» تتطابق الأفعال والجرائم وبهما وبغيرهما في سوريا والعراق تتهدم البلدان العواصم العربية، ومع أن الحرب العسكرية لاقتلاعهم تبقى جزءاً من معركة واسعة فلابد من معركة موازية تحمل عاصفة من توعية الشعوب العربية وتنمية حقيقية في الأوطان التي وجد فيها الخمينيون أرضاً خصبة من الجهل والتخلف وانعدام فرص الحياة الأساسية في ظل صراعات سياسية وجدت فيها عمائم طهران طريقها للميكروفونات لتبث سمومها وأوهامها وأكاذيبها حتى فجرت الأزمات وصنعت الاحتقانات لتخسر عواصم عربية كبرى الكثير من إرثها التاريخي والحضاري.

*البيان