سليمان الدوسري يكتب:
«أرامكو» ليست نفطاً فقط
بعيداً عما إذا كانت الصفقة الكبرى المنتظرة لاستحواذ عملاق النفط العالمي أرامكو على حصة استراتيجية من رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم (سابك) ستتم أو لا - فما زالت المفاوضات في مراحلها التمهيدية - فإن ما يحمله الإعلان البالغ الأهمية يطمئن بأن الرؤية السعودية 2030، المعتمدة أساساً على تنويع الاقتصاد السعودي، واقع يسارع الخطى وماضٍ في الطريق الصحيح، وأن مرحلة الاعتماد على تصدير النفط الخام فقط دون الاستفادة من تحويل جزء منه إلى منتجات أخرى في طريقها للأفول. فأرامكو عازمة على خلق شبكة عالمية من مصانع التكرير والبتروكيماويات تسمح للمملكة بتحويل أحد أهم مواردها وهو النفط الخام، إلى مئات من المنتجات الأعلى قيمة اللازمة للحياة الحديثة، من الإبرة وحتى قطع غيار الطيارات. وخلال سنوات قادمة ومع نجاح تحول أرامكو من كونها شركة عملاقة في الطاقة، إلى شركة عملاقة في مجال الطاقة والبتروكيماويات، فمن الطبيعي لن يبقى الاقتصاد السعودي رهين تقلبات أسعار النفط كما كان، في ظل نمو قطاع البتروكيماويات بمعدل نحو 3 في المائة، وهو أسرع من معدل نمو الاقتصاد العالمي أو الطلب الإجمالي على الوقود.
التوسع في تحويل النفط إلى بتروكيماويات يعد المستقبل الحقيقي لنمو الطلب العالمي على النفط، وخصوصاً مع التنبؤات بمستقبل عالمي قاتم لاستخدام النفط ومشتقاته كوقود لتوليد للكهرباء، وكذلك مع دخول السيارات الكهربائية كمنافس قوي لتصل لذروتها في 2030، وكذلك إعلان الصين وكثير من دول أوروبا عن رغبتها في التخلي عن وقود الديزل قريباً في قطاع النقل، لذلك يمكن القول إن أساس معادلة النجاح هو التنوع في استغلال النفط الخام، الذي بالتأكيد سيبقى سلعة لن يستغني عنها العالم، لكن شركات عالمية كبرى مثل «بي بي» و«شل» و«إكسون موبيل» يكمن سر نجاحها في التنوع الذي تملكه، من الاستكشاف إلى استخراج النفط، وليس انتهاء بصناعة البتروكيماويات والتكرير، وهو ما يجعلها قادرة على الحفاظ على هامش الربح دون تغيير كبير مهما انخفضت أسعار النفط.
وعلى الرغم من أن خطط أرامكو للتحول كعملاق في قطاع البتروكيماويات كما هي عملاق في قطاع الطاقة، بدأت منذ ثلاث سنوات ضمن استراتيجية طويلة المدى لتنويع مصادر الدخل بالاقتصاد السعودي، وهي الرؤية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يرغب في تحويل المملكة إلى ما هو أكثر من مجرد دولة تعتمد على البترول، إلا أن الصفقة النوعية المنتظرة بين أرامكو وسابك تفتح آفاقاً واسعة في هيكلة صناعة النفط السعودية بالكامل، فأرامكو ستزيد حصتها في مجال صناعة البتروكيماويات باستحواذها على حصة استراتيجية من شركة مربحة شقيقة لها، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي سيحظى بتدفقات نقدية من بيعه لجزء من سابك، التي تقدر قيمتها السوقية بـ100 مليار دولار. في النهاية كل الأطراف رابحة في عملية تغيير كبرى مقبل عليها الاقتصاد السعودي.
مع أن أرامكو ما زال لديها نحو 261 مليار برميل من النفط لتقوم بإنتاجها، وهي الكمية التي تصل تقريباً إلى نحو 20 ضعف الكمية التي تمتلكها شركة إكسون موبيل، فإن الخبراء يرجحون أن يصبح استخدام النفط في قطاع البتروكيماويات مصدراً رئيسياً لنمو الطلب على النفط في العقد القادم، بحيث تتم زيادة القيمة المضافة من كل برميل وتنويع مصادر الدخل، وهو الهدف الاستراتيجي الأهم الذي تسعى له المملكة، دون بقاء الاقتصاد السعودي أسيراً لعباءة النفط، وتأثيرات انخفاض أسعاره على إيرادات الدولة.