هاني مسهور يكتب:
خطاب الكراهية بين الحوثيين والإخوان اليمنيين
من الأخطاء الجسيمة اعتبار جماعات الإسلام السياسي جزءا من التركيبة الصانعة لمستقبل اليمن، فالطرفان الأكثر بثاً لخطاب الكراهية الحوثيون والإخوان، وهذان الطرفان لا يمكنهما إلقاء الأيديولوجيا التي يؤمنان بها في مقابل الانخراط في العملية السياسية الطبيعية في اليمن.
ولعل ما يعزز ذلك ما صدر عن صاحبة العضوية المجمدة في حزب التجمع اليمني للإصلاح، توكل كرمان، التي أثارت ضجة حول تشفيها المتجدد بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وما أثارته من استهجان شريحة كبيرة لا فقط من أنصار الرئيس السابق، بل من فئات مختلفة يمنيين وغيرهم.
يعتمد طرفا الإسلام السياسي في اليمن ليس فقط على استخدام خطاب الكراهية، بل على منهجية أخرى هي استخدامهما الفتاوى التكفيرية لتصفية معارضيهم، وكذلك استخدام القوة ضد خصومهم السياسيين.
فلقد ارتبطت جماعة الحوثيين بأسلوب تفجير منازل معارضيها وحتى المساجد التابعة للسلفيين المخالفين لهم فكرياً كما حدث في بلدة دماج. هذه المنهجية العنيفة تمثل جزءا من خطاب الكراهية تجاه الآخرين ومن خلال ذلك الخطاب المحتقن يتم تمرير فتاوى دينية متشددة تشكل الذريعة الأصولية لتحويل الخطاب إلى أفعال دامية ومدمرة.
إن تمكن تيار الإسلام السياسي في اليمن من اختطاف الدين لصالح أجندته المتمثلة في سراب ووهم “الدولة الدينية”، سيجعل وحش الكراهية يغزو المجتمع اليمني حيث اندمجت فئات واسعة من المجتمع في مشروع المتأسلمين بوعي زائف ويقين دوغمائي، ما يمكّن هذا التيار من استباحة الفضاء العام للمجتمع المحافظ في اليمن والسيطرة عليه.
وليس هناك من سبيل لإخراجه منه إلا بتفكيك خطابه وإماطة اللثام عن الآليات والأدبيات التي يعمل بها، والكشف عن روافده التي يستقي منها قوته؛ سواء كانت روافد فقهية تراثية ذات سياقات تاريخية خاصة بها لمراجعتها وتحليل مضامينها ومدى ارتباطها بمصالح الفئات التي أنتجتها واستفادت منها، أو روافد مادية حياتية تتعلق بالبيئة الحاضنة له والمتمثلة في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومعالجتها من خلال تحقيق التنمية الشاملة التي من أهم أركانها: العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة والحرية الفردية؛ أي لا بد أن تتساوق المعالجة الفكرية المتعلقة بتفكيك خطاب الكراهية عند الإسلام السياسي والتعرف على أدبياته، مع المعالجة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تناغم وتكامل، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام دعاة خطاب الكراهية لعزلهم عن حواضنهم وبيئتهم الاجتماعية التي اعتاشوا وما زالوا يعتاشون عليها.
ترى الأحزاب الإسلامية أن الديمقراطية تعتبر سبيلاً لوصولها إلى الحكم، ومن ثم السيطرة على القرار السياسي وإخضاعه لمنهجها. فتنظيم الإخوان المسلمين ولاءه للمرشد العام ولعل التجربة المصرية تبقى شاهداً على هذه العقيدة، فلقد أعطى محمد مرسي البيعة للمرشد العام حتى بعد فوزه في الانتخابات، والوجه الآخر في اليمن يتمثل في أن الحوثيين يمنحون ولاءهم العقائدي للولي الفقيه ومن يمثله في اليمن عبدالملك الحوثي، أي أن الاتجاهين، الإخواني والحوثي، لا يملكان عقيدة وطنية، فهذه العقيدة تتعارض مع الأيديولوجيا التي يعتنقانها، ولذلك تبقى الديمقراطية مجرد طريق للوصول إلى السلطة.
مع ذلك تبقى تغذية خطاب الكراهية والتحريض على الآخرين نهجاً مشتركاً لتيارات الإسلام السياسي في اليمن، حتى مع وصول البلاد إلى التشظي بأقصى أبعاده نتيجة الصراع المسلح.
إلا أن هذه التيارات الإسلامية مازالت تقدم نفسها على أنها تمتلك خيارات المستقبل السياسي. وبرغم الغرق في هذا المعترك العنيف ترفض هذه التيارات الإقرار بأنها هي المتسبب في الأزمة وأنها تحمل أجندة خارجية؛ فالحوثي يحمل الأجندة الإيرانية بينما الإخواني يحمل الأجندة التركية الممولة قطريا.
الحرب اليمنية هي نتيجة احتقان خطابات تيارات الإسلام السياسي المتشددة وحالة التصادم في جوهرها هي تصادم التيارات الإسلامية مع المجتمع المدني الذي بات يدفع ثمنا باهظا لمشاريع خارجية هتكت النسيج الاجتماعي اليمني، إلى درجة لم يعرف لها اليمن، جنوبا وشمالا، حالة مماثلة فحتى القبائل التي كانت تحظى ببعض الخصوصية نتيجة مشاركتها في السلطة السياسية أصبحت في ظل هذا الصراع أضعف من الصورة النمطية التي عرفت بها مما يعزز مدى ما بلغه هتك النسيج الاجتماعي.
أظهرت جماعات الإسلام السياسي قدرا عاليا من الخطاب المأزوم تجاه الآخر، وهذا الخطاب تحول إلى صراع، والصراع تحول إلى توريث صراعات إثنيّة متوزعة على جغرافيا اليمن. هذه الجماعات مازالت تصرّ على أن تكون جزءا من المستقبل، أي أنها تريد استدامة الصراع السياسي على السلطة وأن يتحول اليمن إلى نار مشتعلة تأكل بعضها بعضا، ولن تفهم هذه الجماعات المتصلبة أنها يجب أن تبتعد عن السلطة وعن التدخل في شؤون المجتمعات المحلية بغير إحلال العلمانية وتكريس قواعد النظام الجمهوري كمدخل صحيح للدولة.