سليماني.. استعراض في حرب الكلام

قبل أن يفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية أعلن أنه سينسحب من الاتفاق النووي مع إيران، فما حدث في الثامن من مايو 2018 كان ما وعد به ترامب الشعب الأميركي والعالم، وليس هذا فقط بل إن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ليس رأيا فرديا لشخص الرئيس ترامب، إنما هو رأي عريض في الحزب الجمهوري.

فكثير من الأميركيين يعتقدون فعليا أن الاتفاق النووي مع إيران لم يكن اتفاقا جيدا وأنه أهمل أجزاء أساسية كبرنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإيرانية في عدد من دول الشرق الأوسط، أي أن ترامب لم يقرر الانسحاب من باب الاستعراض السياسي، فلديه من الذرائع التي تجعله يرغب في إيجاد اتفاق جديد مع إيران يقوم على ضوابط أكثر قوة ووضوحاً من اتفاق الرئيس السابق باراك أوباما.

منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين في أبريل 2003، انتهزت إيران حالة الفراغ في العراق وأشعلت عبر ميليشيات شيعية متطرفة حرباً متوحشة انتقاماً من هزيمتها في حرب الثماني سنوات، لذلك كانت إيران في تواجدها على أرض العراق متوحشة وتعمدت إشعال كل أنواع الحروب الداخلية. لم يأت كل هذا من الإيرانيين إلا لترسيخ وجودهم في رغبة حقيقية للوصول بالهلال الشيعي إلى أبعد نقطة ترغب في تحقيقها إيران وإن تطورت فكرة السيطرة إلى ما أبعد من سوريا ولبنان وامتدت إلى اليمن.

 ما يحدث هو أن أميركا وإن انسحبت من الاتفاق النووي وقبل ذلك سحب قواتها العسكرية من الشرق الأوسط فهذا نهج أميركي لا يجب أن تتطلع إليه إيران أو تركيا كقوتين إقليميتين تنظران إليه على أنه فرصة لملء الفراغ الأميركي وزيادة نفوذهما السياسي والعسكري في المنطقة العربية.

للولايات المتحدة قرارها الذي تراه يحقق مصالحها في تخفيض الإنفاق العسكري وقد تابع العالم كيف ضغط ترامب على قادة حلف الناتو في تأكيد واضح على أن الأميركيين يتعاملون مع قضايا الأمن بما يحقق لهم موازنتهم الذاتية، بحيث أن تخفيض الإنفاق المالي لا يعني ترك الفراغات للقوى المنافسة، وهذا ما على الإيرانيين أن يفهموه بطريقة صحيحة وأن مسألة تقليم مخالبهم هي جزء من السياسة الأميركية.

يعيش الإيرانيون على حرب الكلام وتوزيع الخطابات العابرة للقارات على الشعوب التي أرهقتها حروب الكلام الإيرانية، فالإيرانيون الذين يدعون محاربتهم لتنظيم داعش في سوريا هم ذاتهم الذين يعقدون الصفقات مع جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية، ويوفرون لمقاتليها وسائل النقل لنقلهم من بلدة إلى أخرى ليقوم النظام السوري بقصفها وتأتي إيران وتعقد الصفقات.

وليست ببعيدة عن ذلك كله صفقات حزب الله مع تنظيم داعش في لبنان وكذلك في سوريا، وفي اليمن كذلك ثمة صفقة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، فالطرفان اللذان يدعيان العداء الأيديولوجي لم يتواجها مرة، بل إن تنظيم القاعدة الإرهابي لم تتوقف هجماته الإرهابية عن المدن المحررة في عدن والمكلا، بينما صعدة وصنعاء وغيرهما من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مأمن من هجمات القاعدة.

إيران تضع نفسها في موقف لا يستطيع حتى حلفاؤها أن يحتملوه أو أن يقفوا إلى جانبها، ففي النهاية هناك استحقاقات دولية وإيران تضع نفسها في خانة الخارج عن القانون الدولي وهذا أمر خطير للغاية وهذا ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة منذ مدة فعليا. وهي بذلك، الولايات المتحدة، تقول للأوروبيين أنتم أردتم أن تحافظوا على اتفاق ينتهي اليوم إلى وجود عامل قرصنة وبلطجة في المنطقة وهذا سيؤثر على العالم، وسيجعل الأوروبيين من أكثر المتضررين لاحقا سياسيا أو اقتصاديا.

وكل هذه الأحداث تشير إلى أننا نتجه نحو مشهد تتحول فيه إيران إلى عبء على العالم لا فقط على حلفائها، وهو سيناريو نسير فيه منذ مدة، فالإيرانيون أمام استحقاق يعلمون أنه في غير استطاعتهم تجنبه وبالتالي هم يلقون بآخر أوراقهم. الواضح أن الولايات المتحدة تسير بخطة ممنهجة وثابتة، فالضغط الاقتصادي واضح وفكرة احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة واضحة أيضا، وكذلك فكرة تحويل إيران إلى عدو للمجتمع الدولي.

يظهر كل هذا بجلاء وتتضح معالمه بصورة يومية، فحرب الكلام التي تستعرض فيها إيران عبر علي خامنئي ورئيسها حسن روحاني ولسانها الطويل قاسم سليماني حرب لا معنى لها، سوى أنها تشعر بضيق في التنفس وأن الأميركيين يضغطون ويواصلون الضغط حتى تصل إلى الاختناق، وعندها لن تكون هناك فرصة للاستعراض في حرب الكلام بل ستضطر إلى التخلي عن طموحاتها لتكون دولة طبيعية.