مشعل السديري يكتب:

إلهنا ما أعدلك

غداً يوم عرفة الفضيل، في أطهر بقعة على الأرض، ولا بد لي أن أفسح المجال لأبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي - الملقب: بشمس الدين - والمعروف بابن بطوطة، ليتحدث عن أهل مكة وأحوالهم قبل ما يقرب من 650 سنة، والواقع أنني احترت وما زلت محتاراً لماذا ألصقوا به ذلك الاسم؟! هل يا ترى أنها عبارة تهكمية أصبحوا ينادونه بها؟! - احتمال، أو أن أمه كانت اسمها بطوطة؟! - كذلك احتمال.
المهم أنه - رحمه الله - يقول عن أهل مكة المكرمة:
إنهم أصحاب الأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والإيثار إلى الضعفاء والمتقطعين وحسن الجوار للغرباء، ومن مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين المجاورين، ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق ثم يطعمهم، وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران، حيث يطبخ الناس أخبازهم، فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله يتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قُسم له، ولا يردهم خائبين.
وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس، وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبداً ناصعة ساطعة، ويستعملون الطيب كثيراً، ويكتحلون ويكثرون السواك بعيدان الأراك الأخضر. ونساء مكة فائقات الحسن بارعات الجمال، ذوات صلاح وعفاف، وهن يكثرن الطيب حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً، وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة.
ومن عاداتهم كذلك أن يصلي في الحرم أول الأئمة إمام الشافعية، وهو المقدم من قبل أولي الأمر، وصلاته خلف مقام إبراهيم الخليل عليه السلام.
ثم يصلي بعده إمام المالكية في محراب قبالة الركن اليماني، ويصلي إمام الحنابلة معه في وقت واحد مقابلاً ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، ثم يصلي إمام الحنفية قبال الميزاب المكرم تحت حطيم له هنالك، ويوضع بين يدي الأئمة في محاريبهم الشمع وترتيبهم هكذا في الصلوات الأربع.
وأما صلاة المغرب فإنهم يصلونها في وقت واحد كل إمام يصلي بطائفته، ويدخل على الناس من ذلك سهو وتخليط، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي وسجد الحنفي بسجود الحنبلي، وتراهم مصيخين كل واحد إلى صوت المؤذن الذي يُسمع طائفته لئلا يدخل عليه السهو - انتهى.
وفي أواسط الخمسينات الميلادية توحدت الصلوات بالحرم الشريف بإمام واحد، وذلك في عهد الملك سعود رحمه الله.
وأختم بتلبية الشاعر أبي نواس:
إلهنا ما أعدلك/ مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك/ لبيك إن الحمد لك
يا مخطئاً ما أغفلك/ عجل وبادر أجلك
اختم بخير عملك/ لبيك إن الحمد لك
*الشرق