أحمد الفراج يكتب:
نوفمبر: الإعلام والواقع!
ستكون الانتخابات النصفية، في نوفمبر القادم، في غاية الأهمية، لأن المشهد السياسي في أمريكا لم يشهد انقساما وصخبا وانحيازاً كما يحدث اليوم، مع وجود رئيس غير تقليدي، وصل للرئاسة بطرق غير تقليدية، وكونجرس يفتقد لزعامات كبرى، أو من يطلق عليهم لقب «الزعامات الضخمة»، والمؤثرة، التي تملك التأهيل والكاريزما القيادية، من شاكلة هنري كلي، وجون كولاهان، وارلين سبيكتر، وتيد كينيدي، والذين يملكون القدرة على التأثير والحشد، وردم الهوة أثناء الخلافات الحزبية، وتقديم المصلحة الأمريكية العليا على كل شيء آخر، فالمشهد السياسي الأمريكي، ومنذ أكثر من عقد، يعاني عقما في صناعة زعامات كبرى، ونادرا ما يفتقد الكونجرس بشقيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، إلى قيادات حقيقية، تساهم في حلحلة المشهد.
الديمقراطيون، الذين يعيشون مرحلة انكسار، منذ هزيمة هيلاري كلينتون في 2016، حاولوا منذ ذلك التاريخ أن يعيدوا الوهج إلى مفاصل الحزب، بعد أن ارتكبوا خطأ فادحا، في الاصطفاف وراء هيلاري، على حساب خصمها، السيناتور برني ساندرز، الذي جذب شرائح ديمقراطية واسعة، ويطمح الحزب في أن تكون معركة نوفمبر القادمة هي بداية إعادة الوهج.
هذا، ولكن الحقائق على الأرض قد لا تكون بقدر طموح قادة الحزب، إذ أن الحزب في حاجة إلى نجوم صاعدة، مثل باراك أوباما على سبيل المثال، لديها التأهيل والقدرات الخطابية، التي من الممكن أن تزلزل الوهج الشعبوي الجمهوري، الذي يكتسح أمريكا منذ فوز ترمب، فصناعة السياسي البارع أمر في غاية الصعوبة، ولهذا فهم يأملون أن تتطور الأحداث سلبا، بخصوص الرئيس ترمب، خلال الفترة المقبلة، ليتسنى لهم خطف الكونجرس أو أحد مجلسيه على الأقل.
من يتابع الحراك السياسي الأمريكي عن قرب، يلحظ مشهدين متناقضين تماما، فهناك انحياز الإعلام ضد ترمب، الذي يوحي للمتابع بأنه في ورطة كبرى، وقد يتم عزله، وبالتالي سيكون من نتائج ذلك خسارة الجمهوريين في انتخابات نوفمبر، وهناك المشهد «الحقيقي»، أي جمهور ترمب الضخم، الذي لم يعد يثق ولا ينقاد للإعلام التقليدي، بل يتابع تغريدات وتصريحات ترمب المتفائلة، ويشاهد بوادر ازدهار اقتصادي، وانخفاض نسب البطالة، كما تروق له سياسات ترمب الوطنية، والحادّة ضد خصوم أمريكا وحلفائها على السواء، وهي السياسات، التي تعمل لمصلحة المواطن الأمريكي أولا وأخيرا، وغني عن القول أن شعبية ترمب حاليا في أعلى مستوياتها، والخلاصة هي أن هناك تناقضا، بين ما يطرحه الإعلام، وبين الحقائق على الأرض، وسيكون الفيصل هو الخامس من نوفمبر القادم، موعد أهم انتخابات نصفية تشهدها أمريكا منذ زمن بعيد!.
*نقلاً عن "الجزيرة"