هاني مسهور يكتب:
من جياع البصرة إلى جياع عدن
ما يجمع العراق واليمن لم تعد التدخلات الإيرانية في شؤونهما الداخلية بل باتت البطون الجائعة والقلوب المحروقة وجعاً وخوفاً على عراق تلتهمه الطائفية ويمن تحرقه الحزبية ، يتشارك الإنسان العراقي واليمني مأساة واحدة فلا في العراق أو اليمن مكان للنظام الجمهوري سقط الجمهورية العراقية عندما ركلت الطائفية تمثال صدام حسين في 2003م وسقطت الجمهورية اليمنية باكراً فلقد كان الحمل في 1962م كاذباً فخرج نظام جمهوري تحت عباءة شيخ القبيلة اليمنية.
منذ أشهر وأهالي البصرة العراقية يواصلون احتجاجاتهم على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومنذ أشهر والحكومة العراقية تتدعي أنها تعمل على إصلاحات اقتصادية واسعة وتقدم قرارات عاجلة لم تظهر في بطون جوعى البصرة بمقدار ما ظهرت المياة الملوثة التي تهدد حياة الملايين من البشر ، الأسوء ليس فقط أن لا تفي الحكومة بالتزاماتها وبقراراتها حيال أبناء البصرة وغيرهم من العراقيين المتضررين من السياسات الطائفية فالأسوأ هو أن يخرج منّ يدعي بأن احتجاجات أهالي البصرة وغيرها من المحافظات العراقية هي احتجاجات مسييسة تقف خلفها أجندات سياسية تعمل على محاولة إسقاط الحكومة أو تفكيك الجمهورية أو غيرها من الادعاءات التي تحاول الهروب من مواجهة الفشل الحكومي وإظهار التسييس من خلال ما تقوم به تجاه مواطني البصرة وغيرهم.
ما يحدث في عدن ليس بعيداً عن ما يحدث في البصرة، وأن كان ما يجري في عدن أكثر وضوحاً وأكثر بشاعة فاحتجاجات البصرة تحظى باهتمام إعلامي عربي واسع بينما احتجاجات جياع عدن يصد الإعلام العربي وجهه عنها فهي تندرج تحت مطالب سياسية ودعوات انفصالية ، ولعل هذه واحدة من اختلالات الإعلام العربي الذي وجدت فيه قناة الجزيرة القطرية منفذاً لتمرير مغالطاتها وأساليبها العقيمة في الانتهازية واستغلال الظروف المعقدة لتحقيق مكاسب لصالح أجندة التخريب التي تنفذها في اليمن وكل المنطقة العربية التي تضررت من سياساتها.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من تحريرها (يوليو 2015م) تعيش عدن بلا كهرباء وتتفشى فيها الأوبئة نتيجة عدم معالجة مشكلات الصرف الصحي ويتم تعطيل مينائها أمام النشاط التجاري وتصر الحكومة اليمنية على أن تبقى المدينة تعيش في واقع أمني مضطرب نتيجة إصرارها على نشر مقرات ألوية الحماية الرئاسية في داخل المدينة، وتتواصل الاحتجاجات الشعبية في العاصمة عدن وعموم المحافظات الجنوبية ضد التدهور الاقتصادي وارتفاع المواد الأساسية بشكل مخيف اضافة الى انعدام المشتقات النفطية وتراجع في الخدمات الاساسية.
الاحتجاجات التي انطلقت منذ ايام تتواصل بشكل يومي وبطرق مختلفة تعبر عن الرفض القاطع للتدهور المخيف الذي يتواصل ، ورغم الاحتجاجات الا ان حكومة الشرعية لم تضع اي خطوات فعلية توقف تدهور العملة وارتفاع الاسعار ، ونتيجة لفساد الحكومة المستشري فهذا سبب لا يؤهلها لوضع الحلول المناسبة ، وان الحل الأمثل هو بإزاحة الحكومة وتغيرها بحكومة كفاءات تضمن استقرار الاوضاع في المناطق المحررة.
مأساوية الحالة في عدن تذهب إلى ما هو أبعد من أي حالة في العالم، فلم يجد وزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي ورئيس الحزب الناصري حرجاً أن يرمي بمبادئ جمال عبدالناصر تحت حذاءه وهو يظهر على وسائل الإعلام ويتحدث بكل جرأة عن أن الشرعية تتعمد إفقار وتجويع عدن والمحافظات الجنوبية فتوفير الخدمات يعني تشجيعهم على دعواتهم الانفصالية، هذه الجريمة الحقيقية والجريمة المكتملة الأركان أن يتم التنكيل بأبناء الجنوب بسبب أنهم يحملون في صدورهم يقين كامل والتزام ثابت باستعادتهم دولة الجنوب ما قبل 22 مايو 1990م وبعد أن قدموا التضحيات الجسام في تحرير محافظاتهم وشاركوا التحالف العربي في تحرير محافظات اليمن الشمالية، كل هذا لا يمثل عن المأزومين في شمال اليمن وأصحاب المصالح الضيقة غير ذريعة للتنكيل بالجنوبيين.
بين كل هذه الاحتجاجات وتفشي الفساد لا أحد يكترث للمواطن الذي تحول إلى ضحية من ضحايا المتاجرة في سوق اللصوصية ، حتى مع ظهور خالد بحاح الذي طالب بعاصفة سياسية تقتلع الفاسدين سياسياً والحَجر عليهم لنرى أنهم لم يجدوا قدرة على مواجهته بل مارسوا صمت اللصوص المقبوض عليهم بجرمهم المشهود، وصل اليمنيون شماليون وجنوبيون إلى قاع الفقر والجهل والكراهية نتيجة سلوكيات قيادات حزبية مؤدلجة تنفذ أجندات الأتراك والإيرانيين وبين هؤلاء وهؤلاء لصوص ومرتشين وفاسدين يعيشون على صفقات الفساد ويوزعون شعارات الوطنية في كل أرض يقفون عليها.
البطون الخاوية في العراق هي كذلك خاوية في اليمن، يتلقى الريال اليمني الركلات والصفعات من الدولار الأمريكي وحتى الشلن الصومالي لم يجد من يردعه فقام بتوجيه صفعة لوجه الريال اليمني الذي سقط سقوطاً مدوياً ، تراجع العملة اليمنية وانعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعار المواد الصحية وانعدام الأدوية الطبية هي أزمات قاتلة لا يمكن تجاهل مسبباتها من فشل في إدارة الاقتصاد إلى عملية تركيع وإخضاع لتمرير أجندة سياسية ولو على كرامة الإنسان، والإنسان هو ذاته الذي غضب في البصرة وأحرق مبنى المحافظة بعد أن أحرقوا قلبه وكذلك الإنسان العدني الذي مات على أبواب بنك منتظراً راتبه المتأخر لأكثر من عامين فأصدرت الحكومة بياناً قالت فيه أنها لا تتحمل مسؤولية موت المواطن على باب البنك فالمواطن كان يمكنه أن يموت في أي مكان آخر.