د. عبدالله العوضي يكتب:

«الحوثيون» والبحث عن عمامة الإمامة

يفترض أن تجبر معركة الحديدة «الحوثيين» للرضوخ أمام طاولة المفاوضات السياسية. والسماح للشرعية المنتخبة أن تمارس الحكم على جميع اليمنيين بالسواسية. بما فيهم «الحوثيون» إن كانوا غير موالين لملالي إيران من الفرس حقاً. والتحالف لا يمكن أن يؤذي قرابة ثمانمائة ألف من سكان محافظة الحديدة لأجل التخلص من حثوات «الحوثيين». لذا أمهلهم التحالف فترة زمنية ليفكروا جدياً في وقف هذا الانحدار والانتحار، لا كما يريدون إعادة انتشار قواتهم للبدء في استراتيجية أخرى والعودة إلى استئناف المعارك التي لم ترفع كفتهم في الحديدة، المزيد من سرقة الدولة اليمنية في فرع بنكها المركزي وإيرادات مينائها التي لا تقل عن ثلاثة مليارات دولار سنوياً وفقاً للتقارير الاقتصادية الدولية وعلى رأسها بلومبيرج.


وأهل اليمن المتضررين من تسلط «الحوثيين» عليهم، وقد جردوا نساءهم من حلي زواجهم باسم المساهمة في العمليات «الجهادية» المزيفة ضد شعبهم، وقد سموا بعض قادتهم هذه الحرب بالعبثية منذ البداية، فلم المكابرة في بطر الحق وغمط الناس؟! فالمبعوث الأممي الذي جلس معهم كان شديد الصراحة معهم، إما تسليم الميناء للأمم المتحدة، وإلا تحملهم تكاليف وثمن الحسم القادم من طرف التحالف بعد انتهاء مدة وقف العمليات الحربية من أجل التوصل لحل سياسي يخدم جميع الأطراف.
فإن لم يتحقق ذلك فعلى «التحالف» عصر فكر «الحوثي»، لإخراج جرثومة الحلم القديم بعودة الإمامة الزيدية، للتعامل مع الشعب اليمني من فوقية موهومة، والعودة إلى فترة الحكم الذي سجن اليمن في ظلام التاريخ لعقود لم يعرف اليمني ماذا يدور من حوله.

التحالف يسعى ليس فقط لتحرير اليمن من براثن الاستعمار الطائفي البغيض، وإنما أيضاً لإعمار اليمن حضارياً، وهي التي كانت من أمهات الحضارات الكبرى في تاريخ البشرية منذ غابر السنين. ومن يراجع أدبياتهم يرى أن «الحوثيين» يتحدثون عن إعادة الإمامة إلى أرض «تهامة» ويثأرون لألف وثلاثمائة سنة مضت دون أن يكون لهم كلمة في صناعة التاريخ أو التهريج الذي كانوا يرغبون في ممارسته، كما نشاهد ذلك في تغيير الواقع في اليمن نحو الاستدارة إلى الخلف لقرون عدة.


وهذا هو الهاجس الحقيقي للبعض الرافض لأن يكون لهم أي دور سياسي في اليمن الذي سلبوا الكحل من عينيه والسعادة من قلبه والحكمة من عقله. فالضمانات التي تسمح لهؤلاء للعودة عبر المفاوضات المقبلة إلى المشاركة السياسية، يجب أن تكون كافية لمنع هؤلاء من تنفيذ أجندة خفية ومرتبطة بالإمامية الاثنا عشرية الفارسية، للوصول إلى مرحلة الإمامة العظمى، مقابل إسرائيل الكبرى عبر مخطط منسق بينهما في الدهاليز المظلمة لإحكام طوق الخناق على رقبة العالم العربي والإسلامي في وقت واحد. لو تمت التسوية السياسية، فإن هواجس الشعب اليمني بمختلف مكوناته لن تسكن أو تهدأ، إذا ترك اليمن وحيداً بيد من يسلك الغيلة والغدر في لحظة فراغ تشريعي آخر تقع بعد وقف الحرب بالتسوية.


دماء شهداء «التحالف» لا ينبغي أن تذهب سدى، لأن حثالة «حوثية» انقلبت على الشرعية في غمضة عين وقبل انتباهتها، وتكرار هذا الأمر تحت غطاء الحل السياسي لا يجب أن ينطلي على دهاة الحكمة في اليمن، في ظل ما يكيد له هؤلاء لليمن وشعبه وبالتعاون مع ملالي فارس الذين يتبجحون باحتلال العاصمة «صنعاء»، وهي يزعمون أنها الرابعة بالنسبة لهم بعد بيروت وبغداد ودمشق، ونود أن تكون الرابعة هي القاصمة لظهورهم ومشاريعهم الأيديولوجية المنتنة. نعلم بأن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن لـ«الحوثيين» مشروعا أيديولوجيا مغلفا بحمى الطائفية، بحاجة إلى مصل مضاد أقوى. فكل المضادات السياسية الحيوية مطلوبة لحماية كل مكتسبات «التحالف» الذي لبَّى نداء الواجب بعدما طلبت الشرعية منها ذلك، بلا أدنى تلكؤ أو تردد، لأن أي تأخير في هذه الحالة كان يعني سرعة ابتلاع إيران لليمن، وتسليمها لـ«الحوثيين» على طبق من «الإمامة» الحالمة، ولكن «التحالف» لبى بـ «هيهات وهيهات».