د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عدن خلف الستار الحديدي.. مناجاة 1-5

د.علوي عمر بن فريد
الحلقة الأولى
عدن يا درة المدن.. يا قيثارة الأحلام.. يا ربة الجمال.. وقبلة العشاق.. وصوت الشجن .. ولحن الوتر.. فيك تغنى الشعراء.. واليك رحل الفن واستقر ولم يرحل.. عدن التي  من شرفاتك تتدلى عقود الفل وأطواق الياسمين.. ومن نوافذك تتسلل رائحة البخور.. ومن قناديلك ينبثق الضؤ.. ومن ضحكات أطفالك يشرق الأمل وتتفتح الأزهار..
عدن يا مهد الحضارات والفنون.. يا ربة المجد ورفيقة الملكات.. إليك طارت ملكة بريطانيا واختارتك دون سائر المدن.. وقضت فيك أجمل أيامها وذكرياتها.. عشقتك دون كل مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس.. اختارتك لتكوني شاهدة على حبها لك.. وشاهدة على من تحب.. قضت في ربوعك أجمل الذكريات على الشاطئ والجبل.. قضت فيك شهر العسل الذي تتمناه كل أنثى مع من تحب.. هكذا أنت يا عدن مدينة للحب والسلام تحتضنين كل غريب وتأوين كل مكروب.. لا تعرفين الحقد ولا الكراهية .. هادئة وادعة تستقبلين كل أجناس وأطياف وألوان وأديان ومذاهب كل البشر.. كنت مرفأ سلام تبحر إليه وتقلع منه كل  السفن تحمل البضائع من أرجاء العالم ... وتأوي إليك  كل الطيور والحمائم والنسور..ثم تقلع وتعود شوقا إليك!! 
كنت قبلة التجار والمغامرين والحالمين.. والطامحين..والعشاق والسياح من الغرب إلى الشرق ، ويعبرون قارات العالم من أمريكا إلى استراليا ويشترون منك أنفس البضائع وأقلها سعرا !!
كنت منارة الفن والطرب ..ويرحل إليك الفنانون والمبدعون، أحيا فيك الموسيقار فريد الأطرش أجمل الحفلات، وسكب لك أعذب الألحان.. وغنى لك وحدك أبو بكر سالم بلفقيه  : "ياطايره طيري على بندر عدن" وغنى لك ولبريدك: محمد سعد عبد الله: "صباح الخير من بدري".. وأحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وفيصل علوي والكثيرون.. افتتنوا بجمالك ودلالك، وصاغ لك الشعراء والأدباء.. قلائد الشعر مرصعة بالنجوم والأحلام..
عدن كنت درة مدن الجزيرة العربية والخليج يوم خرج المستعمرون.. باعوك رخيصة في سوق النخاسة، تآمروا عليك وأنت فرحة بعرسك.. واستقلالك.. البحر يغسل شواطئك وأمواجه تتراقص تحت أقدامك..وجبالك تعانق السحاب بهاء وفخرا، نعمة صاغها الخالق لك وحدك، وتنسكب منها شلالات الصهاريج لتزيدك حسنا وجمالا، وذات يوم في أواخر الخريف وأنت تستقبلين الشتاء وأنت لا تعلمين أن الصفقة قد تمت.. وأن قوما من أبناء وطنك اختطفوك.. ومعك كل الجنوب.. وطاردوا أحرارك ،وفرسانك، وعلمائك، وشرفائك.. واستولوا على كل تاريخك وارثك الحضاري .. استولوا على مقاليد الأمور فوق ترابك.. ثم دمروك بصراعاتهم وهمجيتهم  وهم يتنازعون الحكم عليك!!
غدر بك أبناؤك.. وتركوك تبكين أيامك الماضية.. حتى امتلأت صهاريجك دموعا وجدرانك رصاصا وبارودا.. وسالت دماء أبنائك في الشوارع أنهارا.. وكلما أقبل الشتاء تبكين.. وتتألمين.. دموعك حبات المطر.. ونحيبك صوت الرعد.. وكلما عادت الذكرى تبكين.. حتى طال بكاؤك يا عدن..!
لقد رحل عنك أحبابك وأنت تعلمين أنهم فارقوك قهرا وقسرا وتركوك وحدك تبكينهم.. وتبكين نفسك.. وكلما هطل المطر غزيرا في شتائك الحالم الجميل لم يغسل أحزانك.. ولم يغسل أحزاننا على فراقك..!!
د. علوي عمر بن فريد