هاني مسهور يكتب:

وللحرب ثمن .. انفصال اليمن

لا يختلف حال اليمن عن حروب البلقان مطلع التسعينيات من القرن العشرين المنصرم، فهذه الحرب التي يعيشها اليمن واقعياً منذ انقلاب الحوثيين (سبتمبر 2014م) صنعت واقعاً مختلفاً عن تلك اللحظة التي قرر فيها طرف من الأطراف اليمنية الاستحواذ على السلطة السياسية في إطار صراع لم يكن وليداً لاختلال موازين القوى التقليدية المتنفذة في اليمن، فلقد اختلت الموازين منذ وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (ديسمبر 2007م) ومع وفاته وقع الخلل الحقيقي نتيجة محاولة أبناء عبدالله الأحمر السطو على السلطة بينما كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يصارع على تلك السلطة حتى وإن غيب الموت شريكه فيها.
مع رياح ما يسمى الربيع العربي انطلقت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م وركب الموجة أبناء الأحمر فلقد وجدوا فيها الفرصة المواتية للوصول إلى السلطة وإزاحة الرئيس علي عبدالله صالح خاصة وأن المشهد التونسي الذي أفضى لخروج زين العابدين بن علي كان يمنح زخماً هائلاً في الشارع اليمني والذي نجح فيه حزب التجمع اليمني للإصلاح من حشد الألوف ضد الرئيس صالح، ومع أحداث جمعة الكرامة 18 مارس 2011م التي أطلقت فيها قوات الأمن النار على المتظاهرين كان علي محسن الأحمر على موعد مع ركوب الموجة العالية فركبها وأعلن موقفه الواضح ليتم كشف الأوراق على طاولة اليمن المضطرب فجماعة الإخوان كانوا يشعرون أنهم بالفعل يلمسون بأيديهم كرسي الحكم الذي بدأ يتأرجح ولم يعد علي عبدالله صالح قادراً على الرقص فوق رؤوس ثعابين تبدو أكثر وحشية من أي وقت أمضاها في ترويضها.
محاولة اغتيال الرئيس صالح في جامع النهدين (يونيو 2011م) شكلت منعطفاً أساسياً في شكل الصراع واستطاع إخوان اليمن من الوصول إلى جزء من كرسي الحكم، وبينما كان هذا الصراع يحتدم كان الحوثيين قد خرجوا من كهوفهم في صعدة وأخذوا يزحفون نحو العاصمة صنعاء يبتلعون في طريقهم كل ما يقف أمامهم من بشر وحجر، سقطت صنعاء ولحقت بها كل محافظات اليمن الشمالية ولم تجد الشرعية غير الفرار إلى عدن التي مع محاولة الحوثيين غزوها انطلقت عاصفة الحزم (مارس 2015م).
تموضعت كل القوى السياسية اليمنية وانشطر حزب المؤتمر الشعبي العام وأفرزت الحرب وقائع جديدة ومعطياتها كانت تماثل الصراعات المحتدمة بين تلك القوى، فحزب الإصلاح بات يمتلك جيشاً هائلاً له قواعده على الأرض وحقق الاستحواذ على السلطة السياسية بعد انقلاب أبيض أسقط من خلاله رئيس الوزراء خالد بحاح (ابريل 2018م) بينما فرض الجنوبيين وجودهم السياسي والعسكري بعد إعلانهم قيام المجلس الانتقالي الجنوبي (مايو 2017م) واستطاعوا تجاوز تحدي توحيد صفوفهم سياسياً وهي نقطة كان من الصعب تجاوزها على مدار سنوات سبقت عاصفة الحزم ، ولعل الخاسر الأكبر يبقى المؤتمر الشعبي العام الذي تشظى قبل اغتيال الحوثيين للرئيس السابق صالح (ديسمبر 2017م) ولم يستطع الحزب لملمة اجزاءه التي تناثرت بعد أن تهشم زجاج الحزب الأكثر قوة في اليمن.
انعكاسات المقاطعة العربية لدولة قطر تحولت إلى واحدة من أهم العوامل المؤثرة في المشهد اليمني على مستويات مختلفة ففيما أوجدت قطر نافذة لتمويل الحوثيين عبر إعادة فتح مكتب مؤسسة قطر الخيرية في صنعاء واستطاعت الدوحة عبر كوادر حزب التجمع اليمني للإصلاح من افتعال أزمات قاسية في المحافظات الجنوبية المحررة، سقطرى والمهرة وحضرموت وعدن وأبين وشبوة كلها محافظات تعاني من التدخل القطري عبر ذراعين عابثين هما إخوان اليمن وتيار فادي باعوم وبلغت الأمور إلى تهديد أمني يتمثل في محاولة إسقاط السلطة المحلية في المكلا مع أحداث الخامس من سبتمبر 2018م.
القضية الجنوبية التي حاولت قطر في حرب صيف العام 1994م نحرها لولا موقف الراحلين الملك فهد بن عبدالعزيز والشيخ زايد آل نهيان يرحمهما الله إضافة لموقف الرئيس المصري حسني مبارك الذين رفضوا تضمين قرارات مجلس الأمن الدولي (924 ـ 931) نصاً قاطعاً بفرض الوحدة السياسية بقوة السلاح هي ذات القضية الجنوبية التي تصاعدت وتحولت إلى صراع خلفي تحاول قطر إخضاع الجنوب كمساحة جغرافية واسعة لأجندات خارجية حيث تسعى إيران وتركيا للحصول على مواطئ أقدام على ساحل البحر العربي وباب المندب والأهم استراتيجياً محاذاة حدود المملكة العربية السعودية إما بتمكين إيران أو تركيا عبر إخوان اليمن المتحفزين لاستعادة خطابهم العدائي في ثورة ما يسمى 11 فبراير 2011م عندما كشفوا النقاب عن حقيقة استهدافهم للأراضي السعودية تماماً كما رغبة الحوثيين فكلا الطرفين يتقاطعان في استهداف السعودية.
هذه الحرب لها إفرازاتها فالجنوبيين الذين لم تنصفهم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هم ذاتهم الذين استبعدتهم الشرعية والحوثيين معاً من أن يكونوا طرفاً في صياغة الحلول السياسية لأزمة يبقى الجنوب جزء أصيل تتنازعه القوى التقليدية المتنفذة شمالاً وتحاول القوى الإسلاموية (إخوان وحوثيين) لإخضاعه جبراً لابتزاز السعودية وتحويله كقاعدة تجتذب الإرهابيين كما فعل النظام السياسي عندما جاء بالأفغان العرب في 1994م، لذلك سيبقى التعاطي مع مخرجات الحرب كمرجعية من المرجعيات الأساسية فالجنوب لن يعود إلى ما قبل الحرب بل أنه بات أمام استحقاق سياسي يوازي ما قدمه من تضحيات لإسقاط المشروع الإيراني والإخواني في ظاهرة لم يعرف لها التاريخ العربي مثيلاً.